في 20 من يوليو لعام 2016، قام مركز جنيف الدولي للعدالة برفع مذكرة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان من أجل التعبير عن قلقه الحاد من التعديلات الجديدة التي طرأت على قانون الإجراءات الجنائية في العراق، بالإضافة إلى تصديق الرئيس العراقي على دفعة جديدة من أحكام الإعدام.

جاءت هذه التطورات في إطار التهديدات العامة التي قام بها قادة الميليشيا والأحزاب السياسية التي دعت إلى تنفيذ أحكام الإعدام من جانب واحد وبشكل غير قانوني كما ودعت إلى محاسبة كل من يتسبب في تأخير تنفيذ هذه القرارات.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن النظام القضائي العراقي قد أثبت ، على نطاق واسع، افتقاره إلى أدنى أسس المحاكمة العادلة. على سبيل المثال لا الحصر، فإن النظام القضائي العراقي أُدين بشكل متكرر لقبوله الاعترافات التي تم انتزاعها تحت التعذيب، كما وأدين لإصداره الكثير من أحكام الإعدام بناءً على معلومات سرية ومصادر مجهولة. وكان مركز جنيف الدولي للعدالة قد أشار، في حالات عدة، إلى أن الأفراد الذين قد تم محاكمتهم بتهمة الإرهاب يمنعوا بشكل روتيني من حقهم في الحصول على دفاع فعّال، كما ويتعرضون إلى أسوأ أنواع المعاملة غير الإنسانية والمهينة بينما يقبعون في ظروف اعتقال مزرية. هذا بالإضافة إلى أن قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13، والذي يضع الأسس القانونية لإصدار أحكام الإعدام بحق المدانين بجرائم الإرهاب، يساء استعماله من قبل السلطات العراقية من أجل تنفيذ أحكام الإعدام بحق المعارضين للنظام، والذي يكون بالغالب على أسس طائفية.

مع التصديق على التعديلات الجديدة الخاصة بقانون الإجراءات الجنائية، فإن العراق مخولة بقوة للبقاء ضمن أكثر ثلاث دول مطبقة لأحكام الإعدام في العالم.

بعد تعرض بغداد يوم الثالث من يوليو لعام 2016 لثلاث هجمات إرهابية مختلفة، مسفرة عن أكثر من 300 قتيلاً و246 جريحاً، قام رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بإصدار أوامر لوزارة العدل العراقية من أجل تنفيذ أحكام الإعدام في حق سجناء مدانين بالإرهاب. وفي اليوم ذاته، يوم الرابع من يوليو لعام 2016، قامت وزارة العدل بإصدار مذكرة إعدام في حق خمسة سجناء، في خطوة واضح أنها جاءت على أسس انتقامية.

كما أشار وزير العدل العراقي إلى أن مكتبه يقوم بإجراءات من شأنها تسريع تنفيذ أحكام الإعدام، حيث أنه قد تم تحديد أن مدة انتظار مصادقة الرئيس على حكم الإعدام يجب أن لا تتعدى الثلاثين يوماُ. من أجل تبرير هذه التطورات، يقول وزير العدل العراقي أن هذه الترتيبات مهمة من أجل أن تواكب وزارته الحرب التي تقودها حكومته ضد الإرهاب.

هذا وقد قام عوس الخفاجي، قائد ميليشا أبو الفضل العباس، يوم الإثنين الموافق 11 يوليو 2016، بالتهديد بالقيام بعمليات إعدام علنية بحق عدد من المحكومين بالإعدام بتهمة الإرهاب في حال استمرت السلطات الحكومية بتأجيل إنفاذ أحكام الإعدام. " نحن ننتظر الحكومة لكي تقوم بتنفيذ قرارات الإعدام، وفي حال لم تقم بذلك، سنقوم بتنفيذ هذه الأحكام بأنفسنا وفي العلن لكي يكونوا عبرة لغيرهم"يقول الخفاجي.  ومن الجدير بالذكر أن المتهمين المستهدفين في هذا السياق شكّلوا مادة مثيرة للجدل في الأشهر الأخيرة. فوفقاً للعديد من مصادر مركز جنيف الدولي للعدالة وسياسيين عراقيين سنييّن يؤكدون على أن هؤلاء المتهمين ما هم إلا أبرياء معتقلين تعسفياً على يد مجموعات المليشيا وقوات الأمن العراقية.

{youtube_plus}/a36VvNbQsGg,?rel=0,650,400{/youtube_plus}

في اليوم التالي، وهو يوم الثلاثاء الموافق 12 يوليو 2016، تم إدراج موضوع الإعدامات على جدول أعمال البرلمان العراقي تحت عنوان " عدم تصديق الرئاسة على التعديل الخاص بقانون الإجراءات الجنائية رقم 23 لعام 1971". في اليوم ذاته، رداُ على تصريحات كلاً من رئيس الوزراء ووزير العدل والتهديدات الصادرة عن قائد مجموعة الميليشيا، قام الرئيس العراقي بالمصادقة على التعديلات، وتمريرها للنشر في الجريدة الرسمية في العراق. كما وقام، في اليوم التالي (13 يوليو)، بالتصديق على مجموعة من قرارات الإعدام لأشخاص مدانين بالإرهاب.

حذر مركز جنيف الدولي للعدالة بأن تمرير هذا التعديل سوف يزيد من ضعف النظام القضائي المترهل وغير العادل أساساً، في إطار مساعيه الرامية إلى التقليل أكثر من حق المحكوم عليه في محاكمة عادلة بحجة المشاركة في العمل الإرهابي. ووفقا لمشروع القانون، فإن وزارة العدل من حقها أن تمضي قدماً في التنفيذ بعد شهر واحد من وقت إصدار المحكمة لحكم الإعدام ودون انتظار مرسوم التصديق من الرئيس في حال لم يصدر خلال الشهر المذكور. ومن الجدير بالذكر أن هذا يتناقض تماما مع الفقرة8 ، المادة 73 من الدستور العراقي.

وأشار مركز جنيف الدولي للعدالة إلى حقيقة أن هذا التعديل سيكون بمثابة غطاء للقيام بالمزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان وخدمة المصالح الطائفية المختلفة.  وأكد المركز أيضا على أن الهجمات الإرهابية الأخيرة ، كما هو الحال في الماضي، تستخدم من قبل السلطات العراقية والميليشيات التابعة لها من أجل تنفيذ أجندتهم، ولتبرير الحرمان من أي حق بقي للمواطنين العراقيين الذين ينتظرون المحاكمة في السجن أو الذين حُكم عليهم بالإعدام بالفعل.  

في الثالث عشر من يوليو 2016، صرّح الرئيس العراقي في إعلان رسمي بأنه قدم قام بالمصادقة على مجموعة جديدة من عقوبات الإعدام، دون حتى تقديم عدد الأشخاص الذين يطالهم هذا التصديق، ودون الإدلاء بأية معلومات أو أدلة تتعلق بجرائمهم المزعومة. وهذا يشير إلى أن السلطات العراقية ليس لديها أدلة تذكر لعدد من عمليات الإعدام التي قامت بها بالفعل أو المدرجة في حيز التنفيذ، وربما الأهم من ذلك، فإن هذا يدل على تجاهل السلطات العراقية الكامل لحقوق الإنسان لمواطنيها.

ويشعر مركز جنيف الدولي للعدالة بالقلق إزاء غياب أسس الشفافية والنزاهة والتي يعاني منها النظام القضائي العراقي، ولا سيما فيما يتعلق بإصدار وتنفيذ عقوبة الإعدام. وعلى وجه الخصوص، يشير المركز على أنه في حين أن هذه السياسة يتم توظيفها تحت ذريعة محاربة الإرهاب، الحقائق على الأرض تشير إلى غير ذلك، حيث أنه يتم استخدام السياسة كوسيلة للانتقام من المعارضين، لأسباب سياسية وطائفية.

وفي ضوء كل ما يحدث، يذّكر مركز جنيف الدولي للعدالة أن محاربة الإرهاب يجب أن تتم بناءً على أسس ومعايير حقوق الإنسان الدولية، حسب ما أكد  قرار مجلس الأمن رقم 1456 لعام 2003. ولكن هذا التعديل الذي طرأ على قانون الإجراءات الجنائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 يتعارض بشكل صريح هذه الأسس، ومن أجل هذا يجب مقاومته.

وبالنظر إلى استمرار تآكل النظام القضائي العراقي والتهديد الوشيك لحياة الآلاف من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام حالياً في العراق، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يدعو المفوض السامي لحقوق الإنسان بفعل كل ما فيه وسعه من أجل إلغاء هذا التعديل التشريعي الخطير. كما ويدعو بممارسة الضغط اللازم على الحكومة العراقية من أجل وضع حد لإستخدام عقوبة الإعدام في ظل النظام القضائي الراهن.

وفي ختام مذكرته، طالب مركز جنيف الدولي للعدالة المفوضية السامية بالقيام بتحقيق منهجي في جميع أحكام الإعدام السابقة الصادرة عن المحاكم العراقية.


مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق

الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة - تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة - مايس/مايو 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة في نداء عاجل جدا الى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان: التخطيط لأعمال ابادة جماعية في محافظة الانبار - كانون الثاني / يناير 2016

العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: التظاهرات العراقية ممارسة لحرّية التعبير ام دفاعٌ عن الحقّ في الحياة؟ - آب / أغسطس 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة يتهم وزارة حقوق الإنسان في العراق بأنها تبذل جهدا كبيرا للتغطية على الجرائم التي تستهدف طائفة يعينها وتصنيفها ضمن خطط الحرب على الإرهاب - تموز / يوليو 2015

داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015

تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014

معضلة العراق الكبرى : تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق - آب / أغسطس 2014

مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014

متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014

بيان صحفي بمناسبة مرور 65 عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : قليل من التقدم و الكثير من الاخفاقات - ديسمبر / كانون 2013

حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013

مـؤتمر المساءلة لتحقيق العدالة للعراق: عشر سنوات على الغزو والاحتلال : لم يعد الصمت ممكناً - آذار / مارس 2013

مركز جنيف الدولي للعدالة: العراق لم ينفذ توصيات الأمم المتحدّة لتحسين حالة حقوق الإنسان فيه وهو ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدّة - شباط / فبراير 2013

السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة

اكتب لنا شكواك