بان زياد طارق 2

العراق: مقتل الدكتورة بان زياد طارق جريمة قتل عمد تكشف عمق أزمة العنف ضدّ النساء وتواطؤ السلطات

يقف مركز جنيف الدولي للعدالة متضامناً مع نساء العراق ومنظمات المجتمع المدني إزاء الفاجعة التي هزّت مدينة البصرة وكل العراق: جريمة مقتل الطبيبة الشابة الدكتورة بان زياد طارق بتاريخ ٤ آب/أغسطس ٢٠٢٥. لقد أثارت الحادثة موجة غضب شعبي واسعة، وتحوّلت إلى قضية رأي عام، حيث خرج الأطباء والناشطون ومنظمات نسوية إلى الشوارع، مطالبين بتحقيق شفاف يكشف الحقيقة، ويرفضون الرواية الرسمية المتسرّعة التي وصفت الحادثة بأنها "انتحار".

 

التدخل السياسي ومحاولة فرض رواية "الانتحار"

من اللحظة الأولى، شهدت القضية تدخلات سياسية خطيرة، فقد سارع محافظ البصرة وعدد من السياسيين إلى إعلان أن الوفاة ناجمة عن "انتحار"، حتى قبل صدور تقرير الطب العدلي أو قرار قضائي. إن هذا الاستباق والأصرار عليه، اثار ويثير شكوكًا جدّية حول وجود محاولات ممنهجة لطمس الحقيقة وتخفيف وقع الجريمة على الرأي العام.

إن مركز جنيف الدولي للعدالة يؤكد أن هذا السلوك يُعدّ تدخلًا غير مشروع في مسار العدالة، ومحاولة لإجهاض التحقيق المستقل.

 

العبث بمسرح الجريمة

الأكثر خطورة، ما ورد من معلومات مؤكدة تفيد بأن الأسرة أو أطرافًا قريبة منها قامت بتنظيف مسرح الجريمة، والتلاعب بمحتوياته، بل وإخفاء تسجيلات كاميرات المراقبة. هذه الممارسات تشكل انتهاكًا صارخًا لأبسط قواعد التحقيق الجنائي، وتثير شبهة التواطؤ والتستر على الجناة.

ومما يزيد من الشكوك هو الاستعجال في حسم القضية، على الرغم مما يكتنفها من تعقيدات وتداخلات، وما تحتاجه من تدقيق في كل الإحتمالات التي جرى تداولها من الأوساط القريبة من الضحية، والتي كانت تحمل دلالات مهمّة تقود الى الإعتقاد بإرتكاب جريمة القتل العمد المصحوب بالتعذيب ضدّ د. بان زياد طارق.

 

قرار محكمة البصرة والتشكيك الواسع به

أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق، عبر محكمة البصرة، قراراً رسمياً (متسرّعاً) في شأن القضية. غير أن هذا القرار لم يُنهِ الجدل، بل فجّر موجة جديدة من الانتقادات. فقد اعتبر حقوقيون ومحامون عراقيون أن القرار جاء متسرعًا، وافتقر إلى المهنية والشفافية، ولم يستند إلى كل الأدلة المتوفرة، ما يجعل مصداقيته موضع شك كبير.

وفي ظل الشكوك الكثيرة بمدى إستقلالية القضاء في العراق، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يشارك هذه المخاوف، ويؤكد أن أي عدالة لا يمكن أن تتحقق بقرارات سياسية أو قضائية سريعة، بل بتحقيق مستقل وعالي الخبرة.

 

أدلة جنائية تُفنّد فرضية الانتحار

إن المعطيات الجنائية والطبية التي سُرّبت من التحقيقات الأولية تكشف بما لا يدع مجالًا للشك أن ما جرى لا يمكن وصفه بالانتحار. فقد أظهر الكشف الطبي:

  • وجود جرحين قطعيين عميقين في معصمي الضحية يصلان إلى العظم.
  • كدمات وسحجات على الوجه والرقبة والكتفين.
  • آثار خنق واضحة حول العنق.
  • تشويه وجروح في منطقة الجهاز التناسلي للضحية.
  • كتابة عبارة "أريد الله" بدماء الضحية على جدار الحمام.

هذه العلامات مجتمعةً لا تنسجم مع أي سيناريو انتحار معروف، بل تشير إلى جريمة قتل عمدية. كما أن غياب أدوات أو مواد طبية في مسرح الحادثة، ووجود آثار لمقاومة جسدية، يعزّزان فرضية الاعتداء العنيف.

 

مسؤولية رئيس الوزراء

إن المسؤولية الكبرى الدستورية تقع على عاتق رئيس الوزراء العراقي، الذي يتوجب عليه أن ينهض بدوره الدستوري والأخلاقي، وأن يشكل لجنة تحقيق وطنية عليا، تضم خبراء مستقلين في الطب العدلي والقانون الجنائي، وتعمل بمعايير شفافية تامة بعيدًا عن أي تدخل سياسي أو اجتماعي.

إن تأخير رئيس الوزراء في إصدار قرار جادّ بهذا الصدد، أو الاكتفاء بتشكيلات شكلية، سيوجب المسؤولية الدولية عليه باعتبار ان دلائل كثيرة تشير الى إشتراك مسؤولين في الدولة بإرتكابها. إن جرائم القتل العمد والتعذيب التي تمارسها أجهزة او مسؤولين في الدولة تقع تحت طائلة القضاء الجنائي الدولي.

 

البعد الإنساني: بان لم تكن مريضة ولا يائسة

إلى جانب الحقائق الجنائية، لا بد من التوقف عند شهادات زملائها وأصدقائها. فقد أكدوا جميعًا أن الدكتورة بان كانت شخصية طبيعية، محبة للحياة، طموحة، افتتحت عيادتها الخاصة قبل أشهر، وكانت تخطط لمشاريع جديدة في مجال الطب النفسي، وتحلم بالسفر لاستكمال دراستها في الخارج.

لقد عُرفت بين زملائها بجدّيتها وإنسانيتها، ولم تُعرف عنها أي مشكلات نفسية أو سلوكيات تشير إلى ميول انتحارية. بل كانت في قمة عطائها المهني والشخصي. هذه الشهادات تُسقط تمامًا رواية الانتحار، وتثبت أن ما جرى هو جريمة اغتيال بدم بارد.

 

جريمة ليست معزولة: تصاعد العنف ضدّ النساء في العراق

إن مقتل الدكتورة بان ليس حادثة فردية، بل هو انعكاس لواقع مأساوي تعيشه النساء في العراق. فقد تصاعدت جرائم القتل والعنف الأسري، في ظل غياب منظومة حماية قانونية فعالة.

ورغم المطالبات المتكررة منذ سنوات، لا يزال قانون مكافحة العنف الأسري معطّلًا، بسبب رفض الأحزاب السياسية تمريره، لاعتباراتٍ ضيقة تسعى للحفاظ على بعض الأنماط الاجتماعية التي تضفي شرعية على العنف ضدّ المرأة والطفل. إن هذا الرفض يمثّل تواطؤًا صريحاً مع استمرار العنف ضدّ النساء، ويجعل الدولة العراقية في حالة إخلال بالتزاماتها الدولية، خصوصاً اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو).

بناءً على ما تقدم، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة:

  • يدين بشدة جريمة مقتل الدكتورة بان زياد طارق، ويعتبرها جريمة قتل عمد لا يمكن تكييفها كانتحار.
  • يحمّل الحكومة العراقية ورئيس الوزراء خصوصاً، المسؤولية الكاملة عن كشف الحقيقة، وضمان تحقيق شفاف ومستقل.
  • يطالب بالكشف العلني عن نتائج التحقيقات الجنائية والطبية وتقديمها للرأي العام.
  • يدعو لمحاسبة جميع المتورطين في الجريمة، بمن فيهم من قام بطمس الأدلة أو التستر على الجناة.
  • يطالب بفتح تحقيق مستقل حول تدخل محافظ البصرة وبعض السياسيين ومحاولاتهم التأثير على مسار العدالة.
  • يدعو لإقرار قانون مكافحة العنف الأسري بشكل عاجل، وتبني إصلاحات قانونية تضمن حماية النساء والأطفال من القتل والعنف الأسري والمجتمعي.
  • يحذر من استمرار الإفلات من العقاب، الذي يشجع على المزيد من الجرائم ضد النساء، ويقوّض ثقة المجتمع بالمؤسسات القضائية والأمنية.

 

إن العدالة للدكتورة بان زياد طارق لم تعدّ قضية وطنية تمس كل العراقيين والعراقيات، بل هي قضية إنسانيه تمسّ الضمير الإنساني والكرامة البشرية. إن استمرار السلطات في التلاعب أو التستر لن يؤدي إلاّ إلى تعميق فقدان الثقة بالدولة ويضع القضية على مسارٍ دولي ضد رئيس الحكومة شخصياً.

إن مركز جنيف الدولي للعدالة سيواصل جهوده، على المستوى الدولي، لضمان عدم طي ملف هذه القضية، وغيرها من الإنتهاكات في العراق، ولإبقاء صوت الضحايا حاضراً حتى تتحقق العدالة الكاملة.

الرحمة لروح الدكتورة بان، والعدالة حق لا يسقط بالتقادم.

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة