بقلم: إسلام المدهون / جنيف للعدالة
خيّم قلق عميق على إجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا إزاء الجمود السياسي المستمر في ليبيا الذي نتج عنه اندلاع أعمال العنف من جديد في طرابلس، حيث أودت بحياة أكثر من 40 شخصا هذا الأسبوع، وقد اتفق مجلس الأمن في إجتماعه الذي عُقد يوم الثلاثاء 30 آب 2022 في نيويورك، على أن الأطراف بحاجة إلى دعم الجهود المبذولة لدفع البلاد نحو إجراء الانتخابات التي يعتبرونها الحل الوحيد للأزمة الراهنة.
وفي معرض تقديمها لتقرير الأمين العام عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (الوثيقة رقم: S/2022/632)، قالت روزماري ديكارلو (وكيل الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام) إن الأمم المتحدة واصلت التعامل مع الجهات الفاعلة الليبية من أجل تسهيل حل المأزق السياسي. ومع ذلك، فإن حالة الجمود المستمرة والتأخيرات المستمرة قد شكلت تهديدًا متزايدًا للأمن في طرابلس وما حولها، والذي ظهر في 27 آب/ أغسطس عندما اندلعتاشتباكات عنيفة بين الجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس.
كما أكدت ديكارلو على ضرورة الحفاظ على خطوط انتاج النفط وتوزيع إيراداته بشكل متساوي على الشعب الليبي، وعبّرت عن قلقها من السخط الشعبي نتيجة نقص الخدمات في الجنوب الذي نتج عنه تهديداً بتنصيب حكومة موازية هناك. بالإضافة إلى ذلك، ندّدت بانتهاكات حقوق الإنسان، التي تمثلت في محاصرة المدنيين وحرمانهم من حرية الحركة والتنقل، وحالات الاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتحريض على العنف.
وشدّدت ديكارلو على أنه مع تدهور المناخ السياسي والأمني في طرابلس، يجب على الأمم المتحدة تعزيز مساعيها الحميدة ووساطتها لمساعدة الجهات الليبية على الخروج من المأزق الحالي والسعي إلى طريق توافقي لإجراء الانتخابات. كما أشارت إلى التطورات الإيجابية التي تمثلت في الجهود المستمرة التي تبذلها اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 للحفاظ على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيزه، إلى جانب قرار الجمعية العامة للمحكمة العليا الليبية بإعادة الدائرة الدستورية للمحكمة التي تم تعليقها منذ عام 2016. وأكدت أن "الليبيين أنفسهم مسؤولون عن تقرير مستقبلهم"، مضيفة أن أي دعم تتلقاه الأطراف من داخل ليبيا أو خارجها يجب أن يعمل على توحيدهم وليس تقسيمهم.
من جانبها قدّمت روشيرا كامبوج (الهند)، رئيسة لجنة مجلس الأمن المنشأة عملاً بالقرار 1970 (2011) بشأن ليبيا، إحاطة للمجلس من خلال تقديم تقرير اللجنة السادس والأربعين، الذي غطّى الفترة من 27 أيار/ مايو إلى 30 آب / أغسطس 2022. حيث عرضت بالتفصيل جوانب حظر الأسلحة وحظر السفر وتجميد الأصول المتعلقة بليبيا، بما في ذلك النية لعقد "مشاورات غير رسمية" لمناقشة المسائل المتعلقة بتجميد الأصول.
طلب المندوب الليبي التحدث أولاً، حيث قال إن بلاده سئمت من تكرار البيانات والتصريحات، وأكدّ أنّه لا يوجد شيء إيجابي للحديث عنه سيّما مع استمرار الانسداد السياسي والتوتر العسكري والأوضاع غير الإنسانية، بالإضافة إلى أزمة الطاقة في الجنوب، وقد تساءل عمّا إذا كان المجلس سيكرّر عبارات الإدانة أو يتحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحماية المدنيين. وشدّد مع ذلك على أن المجلس غير مطالب بالتدخل من جديد في الوقت الحالي، بل بدلاً من ذلك ينبغي أن يكون جادّاً في تنفيذ قراراته السابقة وتجنب الكيل بمكيالين. ويرى المندوب الليبي أن غياب مبعوث خاص للأمين العام في ليبيا يعمل على تأزيم الوضع الراهن، كما طالب الأمين العام لسرعة الحسم في هذا القرار. دعم المندوب الليبي جميع قرارات المجموعة الافريقية والاتحاد الإفريقي لدورهم المهم لصالح الشعب الليبي، وأكدّ أن الحل يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً ويتم ذلك من خلال إرجاع الشرعية للشعب، ودعم كافة الجهود للوصول إلى تسوية شاملة على أرضية توافقية وعبر جدول زمني واضح.
القت كل من المملكة المتحدة، النرويج، البرازيل، روسيا، الهند، الولايات المتحدة، ألبانيا، كينيا، الإمارات، فرنسا، المكسيك، إيرلندا والصين خطابات في هذا الاجتماع، حيث عبروا عن قلقهم وتنديدهم بأعمال العنف في طرابلس، وأكدوا على ضرورة أن الحل يجب أن يكون سياسيا توافقيا سلميا وأنه لا محل للحل العسكري، بالتأكيد على أن الانتخابات الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لحل هذه الأزمة. وقد أشاروا إلى ضرورة التخلص من التواجد العسكري على الأراضي الليبية بالإضافة إلى ضرورة تعيين مبعوث خاص للأمين العام بشكل سريع، ليقف على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة. ترى روسيا أن الفوضى الحالية نتيجة لتدخل قوات حلف الناتو في 2011 في الأراضي الليبية متجاهلة لقرارات مجلس الأمن، كما أنها تؤكد أن الدول الغربية ذات المصالح المختلفة تستغل نفوذها للتأثير على الأطراف الليبية المتنازعة، بالإضافة إلى مطامع هذه الدول في النفط الليبي مما يشكل عائقا أمام إيجاد حل للأزمة الراهنة.
يؤكد مركز جينيف الدولي للعدالة على أنه لا حلّ للأزمة الليبية إلاّ من خلال الحلّ السياسي السلمي التوافقي، ويشدّد المركز على ضرورة توافق الأطراف المتنازعة على الإطار الدستوري الذي يتبعه قيام انتخابات نزيهة وشفافة، ويرى أنه من المهم تعيين مبعوث خاص للأمين العام للوقوف على الوضع الراهن في ليبيا وإجلاس الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار. كما يندّد المركز بأعمال العنف في طرابلس وجميع انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الليبية، ويثمن جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في تنفيذ وقف إطلاق النار والعمل على انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا.