بيان عن تدمير جامع النوري الكبير ومنارة الحدباء
يعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن بالغ استيائه من تزايد العنف الناجم عن تكثيف المعركة من أجل "تحرير" الموصل. وفي الوقت الذي تستعيد فيه قوات الأمن العراقية سيطرتها على معظم أجزاء المدينة من مقاتلي داعش فان الدمار يزداد وتزداد وحشية القتال التي تؤثر بشكل غير متناسب على السكان المدنيين المحاصرين في غرب الموصل، ولها تأثير كبير على التراث التاريخي والثقافي للمدينة - وهو واحد من أغنى مناطق العالم في هذا المجال.
ففي 21 حزيران / يونيو 2017، بينما واصل الجيش العراقي تقدّمه في منطقة البلدة القديمة التي يسيطر عليها مقاتلو داعش، جرى تدميرٌ بالكامل لجامع النوري الكبير ومئذنته الشهيرة المائلة (الحدباء). إن هدم أحد الرموز التاريخية والدينية للعراق والهجمات البشعة على الموصل يُظهر الدليل الذي لا يمكن إنكاره على الحرب ضد الحضارة – الحرب التي تجري بين قوات الأمن العراقية المدعومة من الولايات المتحدة والجماعة الإرهابية المروّعة (داعش) ـ انها حربٌ تُدمر الماضي التاريخي والثقافي للعراق .
وكان المسجد قد بناه - نور الدين زنجي - وبنيت ما بين عاميّ 1172-1173م المئذنة المائلة لتضفي معلما شعبياً - الحدباء - فأصبحت واحداً من أكثر المباني شهرة في العراق. في هذا المسجد نفسه، أعلن أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، إنشاء ما يسمى "الدولة الإسلامية" في عام 2014، بعد أن اجتاح مقاتلو داعش أجزاء من سوريا والعراق. ومنذ ذلك الحين، كان العلم الأسود للدولة الإسلامية يحلق فوق المئذنة المائلة.
وفي أعقاب الهجوم يوم 21 حزيران، أعلنت قوات الأمن العراقية والمسؤولون الأمريكيون أن داعش قدّ دمّر جامع النوري الكبير ومئذنته، حيث كان الجيش العراقي على مسافة 50 متراً من المسجد أثناء حملته للسيطرة على المكان، وضمن محاولة السيطرة على الموصل في وقت مناسب لعيد الفطر، الاحتفال التقليدي للمسلمين الذي يختتم شهر رمضان. وقد حدّد اللواء جوزيف مارتن، الذي يقود القوات البرية المشتركة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تدمير المسجد بوصفها "جريمة ضد شعب الموصل وجميع العراق"، وانه مثال على "سبب إبادة هذه المنظمة بوحشية"
ومع ذلك، وبعد تدمير الموقع التاريخي، أصدر تنظيم داعش بياناً عن طريق وكالة الأعلام التابعة له (أعماق) قائلاً ان غارة جوّية أمريكية سبّبت هدم المسجد. وبينما عارضت الولايات المتحدة والمسؤولون العراقيون هذه الادعاءات بشدّة، إلاّ ان مدنيين يعيشون في المنطقة عمّموا صوراً ومقاطع فيديو تبين المئذنة والمسجد الذي ضُرب من فوق - بدلاً من أن ينفجر كما أعلنه الجيش العراقي - واتهموا طائرات نفاثة عراقية بتدمير المسجد والمأذنة المائلة.
وفي حين أن مرتكب هذا الهجوم لا يزال غير مؤكد، فإن جامع النوري الكبير هو احدث موقع تاريخي هام في المنطقة يتم تدميره أثناء القتال المتواصل بين قوات الأمن العراقية وما يسمى بالدولة الإسلامية. ففي تموز / يوليو 2014 دمر تنظيم الدولة الإسلامية ضريح وجامع النبي يونس - وهو موقع ديني مهم في الموصل - فضلا عن العديد من المعالم التاريخية والدينية الأخرى التي لا يعتبرها هذا التنظيم الإرهابي متماشية مع التقاليد الإسلامية. فوفقا لمعتقدات داعش، فأن زيارة الأضرحة وتبجيل المقابر هو ضد أصول الإسلام. وعلى هذا النحو، كانت الموصل - وهي واحدة من أغنى المدن من حيث المعالم التاريخية والثقافية - هدفا للعديد من الهجمات المتعمدة الرامية إلى تدمير جذور الحضارة فيها.
ومع ذلك، فإن مقاتلو داعش ليسوا المسؤول الوحيد عن تدمير المناطق المدنية المأهولة في السكان وما فيها من المواقع التاريخية. الواقع يُثبت أن الولايات المتحدّة وقوات الأمن العراقية تستخدم القوة المفرطة في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما تقوم بالقصف العشوائي للمناطق المدنية المأهولة بالسكّان والمباني العامة والبُنى التحتية، مما أدّى إلى تدمير أجزاء كاملة من المدينة .
من ناحية اخرى، وبالإضافة إلى هدم المواقع التاريخية والأضرحة، فقد ارتكب كلّاً من تنظيم الدولة الإسلامية والقوات العراقية جرائم شنيعة وانتهاكات مروّعة ضدّ السكان المدنيين. وفي تقدمهم المروع، نهب مقاتلو داعش وأحرقوا ودمروا المنازل والمباني والهياكل الأساسية؛ قاموا بقتل وتعذيب واعتقال واختطاف المدنيين، واغتصاب النساء والفتيات، وقتل الأطفال الأبرياء ومنع القوافل الإنسانية من الوصول إلى المناطق المحاصرة. إن المدنيين والأسر التي تعيش في غرب الموصل - المنطقة الوحيدة المتبقية تحت سيطرة داعش - محاصرون في قبضة قاتلة، مع القليل من الطعام أو الماء أو الكهرباء أو الدواء.
ومما يؤسف له أن مصير أولئك الذين يهربون من المناطق المحاصرة لا يزال بائسا. وكما اكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة مراراً وتكراراً في نداءاته العديدة، فإن قوات الأمن العراقية - التي يدعمها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والميليشيات الموالية للحكومة - تقوم بحملات طائشة ووحشية في سياث ما يسمّى "مكافحة الإرهاب"، مما يزيد من تفاقم معاناة السكان المدنيين. إن الجيش العراقي والميليشيات التابعة له هي المسؤولة عن الاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة والاختفاء القسري لمئات المدنيين بينما يواصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة شن غارة جوية مميتة تثير موت عدد لا يحصى من الأبرياء وتدمر المواقع التاريخية، والهياكل الأساسية والمنازل والمباني المدنية.
إن مركز جنيف الدولي للعدالة يدين بشدة الأعمال الوحشية التي يقوم بها مقاتلو داعش ويأسف لفقدان مواقع تاريخية هامة - بما في ذلك جامع النوري الكبير ومئذنته وجميع الأضرحة الأخرى التي دمرتها هذه المجموعة الإرهابية.
إن الحرب ضد الحضارة تعني فقدان الذاكرة التاريخية، فيجب ان لا تمرّ هذه الجرائم دون عقاب. ويكرّر المركز انه يجب على الحكومة العراقية وحلفائها اتخاذ الاحتياطات الكافية لمنع وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين، فضلا عن تدمير المباني التاريخية والمدنية أثناء محاربة الإرهاب. وفي حين أن معارضة داعش هي ولا تزال أولوية، فانه في موازاة ذلك يقع على الحكومة العراقية والمجتمع الدولي ضمان حماية المدنيين العزّل، ويجب أن الالتزام بالمعايير القانونية الدولية التي تنظم عمليات مكافحة الإرهاب.
العراق: استمرار مأساة المدنيين في الموصل
للمزيد عن متابعة مركز جنيف الدولي للعدالة للاوضاع في العراق:
https://www.gicj.org/ar/2017-01-13-21-33-26
بالانكليزية:
https://www.gicj.org/un-special-procedures-appeals/iraq