جنيف، 24 مايو 2016

وجّه مركز جنيف الدولي للعدالة نداءً عاجلاً الى الأمين العام للأمم المتحدّة السيد بان كي مون، والى المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، والى كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدّة للقيام كلّ بمسؤولياته لإيقاف الحملة العسكرية التي تجري ضد مدينة الفلوجة العراقيّة، والتي تتم بغطاء امريكي ودعم ايراني وبتنفيذ الميليشيات الطائفيّة التي تهيمن على وحدات الجيش العراقي.

ان ما يجري في العراق الآن يرقى الى عمليات ابادة جماعيّة تستهدف المدنيين العزّل، ضمن توجّه طائفي واضح ومعلن تؤكدّه تصريحات كثيرة من القادة العسكريين وقادة الميليشيات المنضوية تحت ما يسمّى (الحشد الشعبي)، فضلاً عن القادة الدينيين المرافين له. كما انها خرقٌ سافر لقواعد القانون الدولي الإنساني وفي المقدّمه منه أتفاقيات جنيف وبخاصة الإتفاقية الرابعة المتعلّقة بحماية المدنيين وقت الحرب، وخرق لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة ان محاربة المجاميع الإرهابية من خلال حملات عسكرية واسعة النطاق لا يؤدّي سوى الى قتل المدنيين و تدمير المدن وتحويلها الى اماكن غير قابلة للسكن مستقبلاً، في حين يتسرّب الإرهابيون الى مناطق اخرى. إن الأمم المتحدّة تعرف ذلك جيداً، خاصّة انها قيّمت ما حصل من تدميرٍ كامل لمدينة الرمادي العراقية في وقت سابق من هذا العام 2016، اذ لم تعد المدينة قابلة للسكن.

إن المدنيين في الفلوجة يدفعون الثمن عالياً. فقد نجم عن القصف الجوي مساء اليوم الاول (الاحد 22/5/2016) قتل عدد غير قليل من المدنيين بينهم 11 شخصاً من عائلة واحدة حسب ما اكدّته مصادر رسميّة عراقيّة. وخلال اليوم التالي (الاثنين 23/5) اعلن مستشفى الفلوجة التعليمي عن تلقيه جثامين 10 من ضحايا القصف (بينهم خمسة اطفال وثلاث نساء)، فضلاً عن 25 جريحاً (بينهم 12 طفلاً وثمانية نساء). في حين بلغت الحصيلة يوم الثلاثاء 24/5 مقتل 16 مدنياً وجرح اكثر من 40 غالبيتهم من الأطفال والنساء. وتعزو المصادر الطبّية ذلك الى اصرار الميليشيات وخاصّة "حزب الله" و " كتائب الخراساني" و "عصائب اهل الحقّ" على استهداف الأحياء المدنية بصاوريخ كاتيوشا و كراد وبالراجمات.

ولذلك فان المطلوب الآن التوقف فوراً عن مثل هذه الحملات العسكرية غير المجدية واتباع نهج آخر يعالج الاسباب المؤدّية الى تزايد الارهاب يعتمد ما جاء في ستراتيجية الأمم المتحدّة لمكافحة الإرهاب المعتمدة في ايلول من عام 2006، وكذلك ما جاء في خطّة العمل التي اعلنها الأمين العام في 15 كانون الثاني/يناير عام 2016، التي تؤكدّ في الفقرات 4 و 5 و6 منها قناعة المجتمع الدولي من ان "التصدّي للارهاب خلال العقد الماضي من خلال الحلول الأمنيّة اثبت عدم فاعليته ويجب اتباع نهج شمولي وسياسات واجراءات وقائية تحدّ من العنف والتطرّف وتقوم طبقاً للمعايير الدوليّة وبالإتساق مع التزامات الدول الأعضاء بموجب القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان" (الوثيقة   A/70/674 المؤرّخة في 24/12/2015).

خلفية الاحداث

أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مساء الاحد 22 مايس2016، بدأ ما عُرف باسم معركة "تحرير الفلوجة"، المدينة التي تقع في محافظة الانبار. وانضمّ عدد من قادة الميليشيات في الاعلان عن هذه المعركة، وفي اطلاق صرخات هستيرية تنم عن كراهية لا حدود لها مغلّفة باطار طائفي مقيت. كما تم تأكيد مشاركة ما يسمى بـ (الحشد الشعبي)، هذه المجاميع المنفلتة التي اظهرت في مناسبات عديدة عدم تردّدها في ارتكاب اكثر الجرائم وحشيّة. وتتلقى هذه المجموعات المسلّحة الدعم من قبل المستشارين العسكريين الإيرانيين كما تستفيد من الغطاء الجوي الامريكي الذي توفّره قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ودعا الجيش العراقي المواطنين في الفلوجة الى مغادرة المدينة من خلال ما وصفه بـ "الطرق الآمنة التي سيتم الإعلان عنها لاحقا"، كما طالب جميع الأسر غير القادرة على الخروج من المدينة رفع الراية البيضاء على اسطح المنازل، حتى يتسنّى للجيش أن يكون قادراً على التميّيز بينهم وبين المشتركين في القتال. ويبدو أن هذه الخطة خيالية إلى حدّ ما: فقبل كل شئ، لم يتم توفير "الطرق الآمنة" بعد، في حين ان الهجوم الواسع قد بدأ بالفعل. وعلاوة على ذلك، فقد أثبتت الأحداث الماضية تجاهل تام من الوحدات العسكرية التابعة للحكومة والمليشيات للمدنيين، الذين غالباً ما كانوا يتعرّضون للقتل أو الإعتقال في كل مرّة يتمكنون فيها من الهروب من المدن المحاصرة. وبعبارة أخرى، فإن التصريحات هذه لا تعدوا عن كونها محاولة من السلطات العراقية لتضليل الرأي العام ودفعه الى الاعتقاد انها تسعى لحماية للمدنيين. ولو كانت هنالك جهود حقيقية لحماية المدنيين، لكان قد تم تنفيذ ستراتيجية تفصيلية ودقيقة من قبل السلطات إما بإخلاء المدينة قبل بدء الهجوم، أو على الأقل توفير الحماية اللازمة والمأوى لأولئك الذين يستطيعون الخروج من المدينة.

قائد فيلق القدس الايراني اللواء قاسم سليماني وهو في احدى الاجتماعات المنعقدة في غرفة عمليات تحرير الفلوجة*

والمعروف انه منذ غزو عام 2003 والاحتلال الذي تبعه، تعرّضت المدينة لعدّة حملات عسكرية بما في ذلك الحملتين الرئيستين اللتين قادتهما الولايات المتحدة في آذار و تشرين الثاني من عام 2004، مما أدّى إلى تدميرها تدميراً شبه كامل. وفضلاً عن ذلك، ففي السنوات الأخيرة، قامت القوات الحكومية والميليشيات بقصف ممنهج ضد المدنيين في المدينة في شكل عمليات عسكرية تحمل شعارات طائفية، مما أدى إلى مجازر عديدة ضد المدنيين وبخاصّة النساء والأطفال. ومنذ بداية عام 2016 تم محاصرة الفلوجة، ومنعت جميع المواد الغذائية والأدوية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، من دخول المدينة. ويبدو، من البيانات والشعارات المرفوعة، أن الحملة الأخيرة ليست سوى هجوم طائفي تصحبه عمليات قتل واسعة، والتي يمكن أن تشكل في محصلتها جرائم إبادة جماعية، على حساب المدنيين الفلوجة.

وكما اسلفنا فأن الهجوم تدعمه إيران، لا سيما من قبل الحرس الثوري، حيث زوّدت الجيش العراقي بالأسلحة والذخيرة التي تحمل لافتات وصوراً ذات دلالاتٍ طائفية، الأمر الذي لا يؤدّي الاّ الى مزيد من الإحتقان الطائفي واشاعة الكراهيّة. إن الدور الذي تلعبه إيران يبعث على القلق فهذه الدولة لا تعطي أي وزنٍ لحقوق الإنسان ولا للاعتبارات الإنسانيّة، ومن شأن مشاركتها ان تزيد من عمليات الإنتقام ضد المدنيين.

ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة ان ما يجعل الوضع أكثر إثارة للجدل هو الغطاء الجوي الذي توفّره الولايات المتحدة، الدولة دائمة العضوّية في مجلس الأمن الدولي، ففي ظلّه تواصل الميليشيات، المعروفة بارتكاب أعنف الجرائم ضد المدنيين العزّل، جرائمها في إطار عقيدة من الكراهية الطائفية. فقد صرّح قادة الميليشيات يوم الاثنين، 23/5/2016، عن ضرورة تدمير الفلوجة بل استئصالها من العراق ـ على حدّ تعبير احدهم ـ معتبرين انها مصدر الإرهاب متناسين، على ما يبدو، انهم والميليشيات التي يتولون قيادتها اول من مارس الإرهاب في العراق.

وكما هو متوقع، فإن "تحرير" الفلوجة لن يختلف كثيراً عن غيره من عمليّات "التحرير" السابقة التي جرت في الرمادي وتكريت وبيجي أو جرف الصخر، والتي ادّت إلى التدمير التام لهذه المدن، فضلاً عن قتل العديد من المدنيين الأبرياء. وكمثال على ذلك، فقد اكدّت الأمم المتحدة على ان تدمير الرمادي شيئ "مذهل"، وربما أسوأ من أي مكان آخر في العراق. إن مركز جنيف الدولي للعدالة يؤكدّ ان ما يجري يرقى الى عمليّات إبادة جماعية، تترافق مع تدمير معظم البنى التحتية والمنازل والمحلاّت التجارية والممتلكات العامة والأراضي الزراعية وبالتالي تحويل المدن المُستهدفة إلى أماكن غير صالحة للسكن وتحقيق سياسة منهجية لتشريد سكّانها من قبل اصحاب الأيديولوجيات الطائفية. ولقد اكدّت الاحداث التي يوثقها المركز ان هذه السياسة موجهة في الغالب ضدّ (العرب السنة).

اعضاء الميليشيات يحملون شعارات طائفية

وعلاوة على ذلك، فإنه لا يبدو من قبيل الصدفة أن بداية معركة الفلوجة قد تزامنت مع اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء يوم الجمعة 20 مايو 2016، مع مقتل أربعة متظاهرين وجرح نحو 110 أشخاص آخرين. ولعل هذا التزامن يؤكد أن السلطات العراقيّة تريد تحويل الانتباه بعيداً عن مطالب المتظاهرين والفشل المزمن في الاستجابة للصرخات المدوية للشعب العراقي، والتي هي ببساطة تدعو إلى تحسين الظروف المعيشية وتأمين الحقوق الأساسية التي ظلّت مطلباً اساسياً منذ فترة طويلة مهملة.

ويؤكدّ، مركز جنيف الدولي للعدالة، أنه يتمنّى القضاء على الجماعات الإرهابية اينما كانت في مدن العراق. ومع ذلك، فأن هذا لا يمكن أن يتحقق من خلال النهج الوحشي للسلطات العراقية والميليشيات المدعومة من القوات الجوية الأمريكية وقوات الحرس الإيرانية. فقد اثبتت الاحداث خلال الثلاثة عشر سنة الماضية أن السياسة المُتبعّة لم ينتج عنها سوى الأذى والقتل للمدنيين وأدت بالمقابل الى تكاثر الجماعات الإرهابية وتعاظم وحشيتها. كما انها تسبّبت في تشريد الملايين من العراقيين، بما في ذلك التدمير الكامل للمدن بأكملها.

ولذلك يحثّ المركز على وجوب توقف مثل هذه الهجمات العنيفة على السكّان، على الفور، وضرورة اتباع نهج مختلف من أجل "تحرير" المدن مثل الفلوجة، لأن سفك دماء المدنيين باسم محاربة الإرهاب ليس أقل خطورة من الإرهاب نفسه.

ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المذكورة أعلاه، فان مركز جنيف الدولي، يطالب المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة، باتخاذ جميع التدابير اللازمة وما يلزم من السياسات من اجل حلٍّ شامل ومُستدام يخفّف من معاناة الشعب العراقي.

ويرى المركز ان من المهام المُلّحة جدّاً ان  تتولى الأمم المتحدة الضغط على جميع الدول المعنيّة لتغيير نهجها في "مكافحة الإرهاب" بأثر فوري، وان تتبع المسارات والنُهج المحدّدة في ستراتيجية الأمم المتحدّة لمكافحة الإرهاب وفي خطّة العمل المنوه عنها في اعلاه، وبما يُسهم في التوقف عن سفك الدماء وتدمير المدن وتحطيم القدرات اللازمة لإستمرار الحياة في المناطق التي يجري استهدافها بالعمليات الحربيّة واسعة النطاق.

* http://alkhaleejonline.net/articles/1464070815510002800/


مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق


مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة في نداء عاجل جدا الى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان: التخطيط لأعمال ابادة جماعية في محافظة الانبار - كانون الثاني / يناير 2016

العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: التظاهرات العراقية ممارسة لحرّية التعبير ام دفاعٌ عن الحقّ في الحياة؟ - آب / أغسطس 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة يتهم وزارة حقوق الإنسان في العراق بأنها تبذل جهدا كبيرا للتغطية على الجرائم التي تستهدف طائفة يعينها وتصنيفها ضمن خطط الحرب على الإرهاب - تموز / يوليو 2015

داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015

تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014

معضلة العراق الكبرى : تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق - آب / أغسطس 2014

مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014

متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014

بيان صحفي بمناسبة مرور 65 عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : قليل من التقدم و الكثير من الاخفاقات - ديسمبر / كانون 2013

حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013

مـؤتمر المساءلة لتحقيق العدالة للعراق: عشر سنوات على الغزو والاحتلال : لم يعد الصمت ممكناً - آذار / مارس 2013

مركز جنيف الدولي للعدالة: العراق لم ينفذ توصيات الأمم المتحدّة لتحسين حالة حقوق الإنسان فيه وهو ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدّة - شباط / فبراير 2013

السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة

اكتب لنا شكواك