
هل ستحقق خطّة ترامب للسلام العدالة للشعب الفلسطيني؟
إعداد ميليسا فيرر و ترجمة وسيم عتريسي/ جنيف للعدالة
المُقدّمة
في 17 نوفمبر 2025، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2803 بموافقة 13 عضواً وإمتناع كلّ من روسيا والصين عن التصويت . ويستند هذا القرار إلى الخطّة المؤلفة من 20 بنداً وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهدف ما أسماه "إعادة بناء غزة". وقد فسرت كل من روسيا والصين إمتناعهما عن التصويت على أنّه يأتي بسبب المخاوف من اللغة غير الواضحة في الخطّة، وغياب دور واضح للأمم المتحدة في المراحل المقبلة، إلى جانب الرغبة في مشاركة فلسطينية أوسع. ويبدو أنهما فضلا الإمتناع على إستخدام حقّ النقض (الفيتو) الذي تتمتّعان به كعضوين دائمين في مجلس الأمن.
يأتي هذا القرار بعد ما يقارب ثلاث سنوات من بدء ما تُسميه الأمم المتحدة بالمجازر المُرتكبة في غزة، أو كما يعبّر عنها المقرّر الخاص للأمم المتحدة عن فلسطين، حرب إسرائيل على غزة، والتي تشكل جريمة إبادة كما وثّقتها بعثة التحقيق المستقلّة للأمم المتحدة في تقريرها الذي قُدم الى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول 2025.
خطر اللغة الغامضة في خطة "السلام" لغزة
بالفعل، استُخدمت اللغة الغامضة (بشكل استراتيجي) في هذه الخطة. فالخطة المؤلفة من 20 بنداً، تتضمّن عباراتٍ غامضة متعدّدة الأوجه مثل: «سوف يقوم الجيش الإسرائيلي بتسليمٍ تدريجي للأراضي التي يحتلّها في غزّة إلى قوة الاستقرار الدولية»، و«قد تكون الشروط أخيراً مهيّأة لمسار ذي مصداقية نحو حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولة». بالإضافة إلى ذلك، يُصرّح صندوق إعادة تكوين غزة والتسريع الاقتصادي والتحوّل – بأن «إسرائيل سوف تحتفظ بحقوق شاملة لتلبية احتياجاتها الأمنية» طوال فترة انتقالية متعددة السنوات!.
هذه اللغة الغامضة مقصودة، وهي قد تمنح عملياً، لإسرائيل والولايات المتحدة وأي جهة أو دولة أخرى، مبرّراً لمواصلة أفعالهم في غزّة التي يُوصف بعضها بأنها إبادة جماعية، استناداً لمخاوف «أمنية» ذاتية وواسعة.
وعلاوة على ذلك، والأهمّ، فإن هذه الخطة لا تسمح بسيادة فورية للفلسطينين، وتضمن إقامة الدولة فقط إذا ما توافرت الشروط. ومع عدم ذكر جدول زمني محدّد، يبدو هذا وعداً بلا معنى!.
من يستفيد حقاً؟ تضارب مصالح في إعادة إعمار غزة
البند العاشر من ما يسمّى "خطة السلام" تقترح «أفكاراً تنموية مثيرة» على أرض غزة. هذا المقترح يتجاهل الفظائع التي يعاني منها الفلسطينيون وبدلاً من ذلك يركّز على إمكانيات البناء في غزة. ومن الجدير بالملاحظة أن صندوق الإعمار، وهي خطّة تنموية تقودها الولايات المتحدة (وتشمل «ريفيرا وجزر سياحية ترامبية»، فوائد استراتيجية أمريكية، وكذلك «ملاذ بيانات أمريكي آمن»)، يتضمّن ما يُسمّى «باقات طواعية كريمة لإعادة التوطين» لمواطني غزة. لاحقاً في الوثيقة، تمّ الإشارة إلى ذلك بطريقة مُزعجة بأنها «زيادة عدد الغزّيين الذين يتطوّعون لمغادرة غزة [دائماً] أثناء إعادة الإعمار»، وهو أسلوب ليس خافياً في مواصلة خطّة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين (بجميع الوسائل الضرورية) بذريعة إعادة بناء غزة. ومن المثير للاهتمام أن هذا يتعارض إلى حدّ بعيد مع النقطة الثانية من خطة وقف إطلاق النار لترامب، والتي تنصّ على أن «غزة سوف تُعاد تطويرها لصالح شعب غزة الذي عانى أكثر من اللازم». كيف سيستفيد سكان غزة من هذا التطوير إذا كانوا يُشجَّعون بقوّة، من خلال إيجارات مدعّمة وباقات إعادة التوطين، على ترك وطنهم نهائياً؟
نرى بوضوح نزاع مصالح لا لبس فيه من جانب الرئيس ترامب، ويجب أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت «خطة السلام» الخاصة به تحمل حقاً نوايا سلام في الشرق الأوسط، أم أنها سياسة مدروسة لإسكات الفلسطينيين وأخذ أراضيهم من أجل جنيّ رأس المال؟
وقد ظهرت عبارة «غزة الجديدة» عدّة مرات في خطّة السلام هذه، مما يشير إلى أن إدارة ترامب قد قرّرت مسبقاً مستقبل غزة، ولا عجب من ذلك أنها فعلت ذلك بدون أية أصواتٍ أو آراء فلسطينية.
خاتمة قاتمة
يبدو أن خطّة وقف إطلاق النار لترامب تنسى أن ضحايا الإبادة بحاجة ماسة لجهود الإغاثة، قبل أن تدخل مناطق التكنولوجيا ومراكز البيانات حيز الصورة. وفي الجوهر، هذه الخطّة تبدو أنها مجرد دخانٍ ومرايا، وهنالك تخوّف مشروع من العنف المستقبلي الذي سيعاني منه الفلسطينيون، سواء نفسياً أو جسدياً. وهنالك من رأى إنها خطة مُعدّة استراتيجياً لتأسيس الفظائع في فلسطين.
إنّ مركز جنيف الدولي للعدالة إذ يؤكد الحاجة الماسة للبدء بإعادة الإعمار في غزة، إلاّ انّه يرى ضرورة اتخاذ تدابير أكثر واقعية وملموسة من أجل ترسيخ السلام، وتمكين الشعب الفلسطيني من بسط سيادته الحقيقية على أرضه في غزة، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة الآمنة إلى وطنهم إذا اختاروا ذلك,
ويعبّر مركز جنيف الدولي للعدالة عن قلقه إزاء تداخل المصالح لدى إدارة ترامب في عملية إعادة إعمار غزة، ويدعو المنظمات الدولية إلى الاضطلاع بدور قيادي أقوى وأكثر فعالية في المنطقة، وقبل كل شيء، أن تكون الأصوات الفلسطينية في صدارة عملية صياغة مستقبلهم وتعافيهم .كما يُذكّر مركز جنيف الدولي للعدالة المجتمع الدولي بأنه من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لن يكون من الممكن معالجة السبب الجذري لمعاناة الشعب الفلسطيني وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرّض لها يومياً. إن إنهاء هذا الاحتلال هو خطوة حاسمة لتحقيق الحرّية والسيادة الكاملة للشعب الفلسطيني.
Read in English here
------