Palestine Shyla

محنة اللاجئين الفلسطينيين

فهم الأزمة الإنسانية والمسؤولية العالمية تجاه لاجئي الحرب في فلسطين

بقلم: شايلا جيك / جنيف للعدالة

ترجمة: محمد هنداوي/ جنيف للعدالة

 مقدمة

أصبح صوت صافرات الإنذار الحاد، ومشهد المنازل المهدّمة، وشبح الصراع من أجل البقاء، واقعًا مظلمًا يعيشه كثيرون ممن شردتهم الحرب المستمرة في فلسطين. وبالنسبة للمدنيين العالقين في مرمى النيران، غدا كلٌّ من الفرار والبقاء في المنازل مخاطرة قاتلة. وقد أفرز هذا الوضع واحدة من أطول وأعقد أزمات اللجوء في التاريخ المعاصر، إذ تعود مأساة هؤلاء اللاجئين إلى سبعة وسبعين عامًا مضت.

تُعزى الهجرة الدولية أساسًا إلى عوامل هيكلية اقتصادية وسياسية، تشمل الطلب في أسواق العمل، وعدم المساواة في الدخل، والنزاعات في البلدان الأصلية، حيث وعلى المستوى العالمي، يقيم نحو 184 مليون شخص، ما يعادل 2.3% من سكان العالم، خارج بلدان جنسيتهم، وفقًا لتقرير مجموعة الصحة العالمية لعام 2023. ويُجسد هذا الواقع تعقيدات متزايدة في حركة التنقل البشري، حيث تتفاقم بفعل عوامل متسارعة مثل تغير المناخ، والصراعات المسلحة، والفجوات الاقتصادية.

تشير البيانات الحديثة إلى تحوّل كبير باتجاه المراكز الحضرية، مدفوعًا بعوامل "الدفع والجذب"، حيث تُعتبر عوامل الدفع الظروف القسرية التي تضطر الأفراد إلى مغادرة بلدانهم الأصلية، كضيق فرص العمل، وعدم الاستقرار السياسي، أو النزاعات العرقية. وقد شهدت دول الشرق الأوسط، التي تمثل مصدرًا رئيسيًا للنزوح الحديث، نزاعات طويلة الأمد أو عنيفة، ساهمت في تفاقم مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وأضحى النزاع المستمر، سواء داخل الدولة أو مع الدول المجاورة، من العوامل الأساسية التي تُسفر عن نزوح واسع النطاق، معزّزًا أزمة لاجئين إنسانية من صنع الإنسان. 

في غزة، يُحاصر أكثر من مليوني شخص ضمن مساحة لا تتجاوز 141 ميلًا مربعًا، محرومين من الوصول الموثوق والمستمر إلى المياه النظيفة، أو الغذاء الكافي، أو الرعاية الطبية الملائمة، أو حتى سقف يؤويهم. لقد فقدوا الحق البسيط في العيش بكرامة وأمان أو كسب قوت يومهم. يشهد قطاع غزة، الذي يمتد على طول 25 ميلًا، تدهورًا بطيئًا في الظروف المعيشية وتراجعًا في الأمل بمستقبل أفضل. وقد تسببت السياسات والممارسات الإسرائيلية في أزمة إنسانية من صنع الإنسان في الشرق الأوسط.

أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن 90% من سكان غزة، أي نحو 2.1 مليون نسمة، نزحوا من منازلهم، منهم 1.2 مليون نازح داخليًا. ويقطن حوالي 180,700 شخص في 978 ملجأً للاجئين، منها 775 ملجأً مكتظ بالكامل. علاوة على ذلك، يشكل الفلسطينيون أكبر مجموعة من الأشخاص عديمي الجنسية، حيث يعيش حوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

ويُعد وضع اللاجئين الفلسطينيين بموجب قانون اللاجئين الدولي مسألة معقدة. فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(UNHCR) تعرف اللاجئ بأنه "الشخص الذي فر من بلده هربًا من النزاع أو العنف أو الاضطهاد، وطلب الحماية في دولة أخرى". هذا التعريف العالمي المعتمد والمُشار إليه في المادة 1أ (2) من اتفاقية اللاجئين لعام 1951، لا ينطبق على غالبية الفلسطينيين. فالأشخاص الذين يعيشون خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وغير القادرين أو غير الراغبين في العودة، حتى إن كان ذلك بدافع الخوف من الاضطهاد، لا يُصنفون كلاجئين بموجب المادة 1أ (2).

فقط الفلسطينيون الذين نزحوا لأول مرة بعد عام 1967 يندرجون ضمن نطاق المادة 1أ (2) من الاتفاقية، نظرًا لعدم شمولهم بولاية أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة.

الأزمة الفلسطينية للاجئين تمثل قضية متعددة الأبعاد، متجذرة في عقود من الصراع، ومميزة بأحداث تاريخية بارزة مثل النكبة عام 1948 والتصعيد الأخير عقب أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.  يتناول هذا التقرير التحديات المزدوجة التي تواجه النازحين داخليًا داخل قطاع غزة واللاجئين الذين فروا عبر الحدود، مستعرضًا النية الإبادة الجماعية الكامنة وراء السياسات المنهجية وتأثيرها عبر الأجيال. كما يتطرق التقرير إلى العقبات التي تحول دون إعادة بناء الحياة وسط النزوح، والتي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، فقدان الثروة الحيوانية، وتدمير المباني ووسائل الإنتاج، مما يعوق أي أمل في العودة إلى حياة طبيعية. بالإضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على تراجع التدفق النقدي للنازحين، مما يقيّد قدرتهم على العودة إلى العمل ومنازلهم وتأمين الغذاء المستدام، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه العوامل لا تزال قائمة ولم تُدمر خلال الحرب. كما يناقش التقرير الدور الحاسم لوكالات الإغاثة الدولية، مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتداعيات المدمرة لحصار طرق الإغاثة. ومن خلال فهم هذه القضايا المتشابكة، يؤكد التقرير على ضرورة تحرك دولي عاجل للتخفيف من حدة الأزمة، ويقدم توصيات تهدف إلى ضمان كرامة وأمن اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم في نهاية المطاف.

موقف مركز جنيف الدولي للعدالة:

يعيد مركز جنيف الدولي للعدالة التأكيد على تضامنه الثابت مع الشعب الفلسطيني، ويشدّد على الحاجة الملحّة لحلول شاملة وإنسانية ومستدامة لمعالجة أزمة اللاجئين المستمرة. يُشكّل النزوح المنهجي والتهميش الذي يتعرض له ملايين الفلسطينيين انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك حق العودة وحق العيش بكرامة. يُدين المركز كافة الإجراءات التي تستمر في إدامة النزوح القسري، والهدم، والقيود المفروضة على المساعدات الحيوية، خاصة تلك التي تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والنساء. و نؤكد أن غياب آليات التعويض الفعالة والقابلة للتنفيذ، إلى جانب استمرار الحصار وإعادة النزوح القسري، قد أسفر عن أزمة إنسانية مصطنعة تستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً وحاسماً.

ندعو إلى ما يلي:

  • تطبيق القانون الدولي: ضرورة تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، (الذي ينص "على حق اللاجئين الراغبين في العودة بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم في أقرب وقت ممكن، مع تعويض الذين يختارون عدم العودة عن ممتلكاتهم،وعن الخسائر أو الأضرار التي لحقت بالممتلكات والتي يجب تعويضها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة وفقًا لمبادئ القانون الدولي أو العدالة"). كما يجب احترام جميع الأطر القانونية الأخرى التي تكفل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، مع ضمان صرف التعويضات المناسبة لأولئك الذين لا يستطيعون العودة.
  • حماية الفئات الضعيفة: إعطاء الأولوية لحقوق الأطفال في التعليم والرعاية الصحية وظروف المعيشة الآمنة، وضمان حماية الأجيال القادمة من دوامة الحرمان من الجنسية و من النزاعات.

 

  • ضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق: إزالة الحواجز التي تمنع إيصال المساعدات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والإمدادات الطبية والمأوى، إلى الفلسطينيين النازحين.
  • المساءلة عن الانتهاكات: فتح تحقيق دولي في الأفعال التي تشكل نزوحًا قسريًا، أو عقابًا جماعيًا، أو غيرها من الانتهاكات للقانون الدولي.
  • دعم دولي شامل: زيادة التمويل للوكالات مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتعزيز التعاون العالمي لضمان استمرار تقديم الدعم للفلسطينيين النازحين.

ويُعيد مركز جنيف الدولي للعدالة التأكيد على أن معالجة الأسباب الجذرية للأزمة و التي تكمن – بالاحتلال، والسياسات المنهجية للتمييز، والحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية – أمر أساسي لتحقيق السلام والعدالة الدائمين. 

نحن ملتزمون بالدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ومساءلة جميع الأطراف وفقًا للمعايير الدولية.

 

لقراءة التقرير الكامل (باللغة الإنجليزية)، يرجى الضغط على الصورة أدناه:

Palestine report

 

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة