من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية 

الدورة التاسعة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان

16 حزيران/ يونيو – 9 تموز/ يوليو 2025

البند 7: حوار تفاعلي مع المقرّر الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة

3 تموز/يوليو 2025

بقلم سامانثا رودريغيز سانتيلان / جنيف للعدالة

ترجمة محمد هنداوي/ جنيف للعدالة

 

الملخص التنفيذي

في تقريرها (A/HRC/59/23)، المقدّم الى الدورة التاسعة والخمسين لمجلس الأمم المتحدّة لحقوق الإنسان، أكدت فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، على الدور المحوري الذي تؤديه الجهات الفاعلة في القطاع الخاص والشركات المرتبطة بالدولة في ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي المستمر وتعزيز وتيرة العنف في غزة. ويصف التقرير النظام الإسرائيلي بأنه نظام فصل عنصري واستعمار استيطاني، يقوم على دعائم سياسية وعسكرية واقتصادية، ويستند إلى اقتصاد توسعي تصفه ألبانيز بـ"اقتصاد الإبادة الجماعية".

خلال المناقشة، أعربت مجموعات من الدول، إلى جانب دول أخرى، عن دعمها الثابت لعمل المقرّرة الخاصة، التي تتعرض لضغوط ممنهجة وحملات استهداف عبر الفضاء الإلكتروني، فضلاً عن إجراءات عقابية من دول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي فرضت عليها عقوبات رسمية. وأبدت الدول الأعضاء قلقًا عميقًا إزاء ما أورده التقرير من تورط شركات ذات نفوذ واسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مطالبةً هذه الكيانات بالامتثال الصارم لمبادئ العناية الواجبة والمسؤولية المؤسسية. كما حثت الدول الأعضاء إسرائيل، والدول المتواطئة معها، على الالتزام الكامل بأحكام وقرارات محكمة العدل الدولية، ووقف جميع الاعتداءات ضد السكان المدنيين، ووضع حد لاستخدام التجويع كأداة من أدوات الحرب. 

يعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن دعمه المطلق لعمل المقرّرة الخاصة، فرانشيسكا ألبانيز، ويثمّن شجاعتها في كشف وفضح جميع الأطراف المتورطة في الإبادة الجماعية المتواصلة في الأرض الفلسطينية المحتلة. ويشكّل تقريرها إنذارًا حاسمًا إزاء التآكل الممنهج للقانون الدولي، ويكشف عن الدور البنيوي الذي تضطلع به المصالح الاقتصادية في ترسيخ نظام الفصل العنصري واستدامة العنف المنهجي.

الخلفية والسياق

تخضع الأرض الفلسطينية المحتلة، التي تضم الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، للسيطرة العسكرية الإسرائيلية منذ عام ١٩٦٧، وعلى مدى ما يقارب ستة عقود، تطوّر هذا الاحتلال العسكري تدريجيًا ليصبح نظامًا استعماريًا استيطانيًا وفصلًا عنصريًا، يقوم على التهجير الممنهج، وتفتيت الأرض، وترسيخ الهيمنة العنصرية، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير. ورغم تأكيد الهيئات الدولية مرارًا وتكرارًا،  بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، على عدم شرعية المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، فإن الاحتلال لم يواصل وجوده فحسب، بل تعمّق وترسخ، بدعم وتواطؤ دولي متصاعد.

ملخص تقرير المقرر الخاص

يُبرز التقرير القطاعات المحورية التي أصبحت مكوّنًا أساسيًا في المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، ومن بينها شركات صناعة الأسلحة، وشركات تقنيات المراقبة، والمؤسسات المالية، وشركات البناء، والهيئات الأكاديمية. وهذه الجهات ليست مجرّد متفرجين سلبيين، بل أطراف فاعلة تشارك بفعالية في ترسيخ نظام يُسهّل ضم الأراضي، ويقمع حياة الفلسطينيين وهويتهم، ويعسكر تفاصيل حياتهم اليومية في الأرض المحتلة. كما أنّ العديد من هذه الشركات ذات نشاط عابر للحدود، وتتمتع بصلات مع دول وأسواق توفر لها مظلة حماية من المساءلة.

يركز التقرير بشكل خاص على الدور الحاسم للصناعات العسكرية وتقنيات المراقبة. تقوم شركات إسرائيلية ودولية بتطوير وتسويق أنظمة أسلحة تم اختبارها عمليًا على السكان الفلسطينيين، ولا سيما في قطاع غزة. وقد استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة بشكل مباشر في استهداف المدنيين، في حين تسهم أدوات الشرطة التنبؤية وقواعد البيانات البيومترية في تعزيز آليات السيطرة والقمع المنهجي. ويؤكد التقرير أن هذه الممارسات ليست حوادث عشوائية، بل تشكل جزءًا من استراتيجية متكاملة للهيمنة الديموغرافية والجغرافية.

يركز التقرير أيضًا على الدور المحوري للقطاع المالي في توسيع المستوطنات غير الشرعية ومصادرة الأراضي الفلسطينية، حيث تستمر البنوك وصناديق التقاعد وشركات إدارة الأصول في ضخ الاستثمارات في شركات منخرطة في الأنشطة الاستيطانية و الداعمة لها. وفي الوقت ذاته، توفر المؤسسات الأكاديمية دعمًا أيديولوجيًا وتقنيًا للاحتلال، من خلال أبحاث تُستخدم في تطوير أدوات عسكرية وتقنيات المراقبة.

تؤكد السيدة ألبانيز أن تورط هذه الشركات يتم في ظل ارتكاب جرائم دولية جسيمة، مشيرة إلى أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تنظران حاليًا في أفعال قد ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، والفصل العنصري، وجرائم الحرب. وفي هذا الإطار، تُعرّض الشركات التي تواصل العمل بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي نفسها لخطر المسؤولية القانونية على الصعيدين الدولي والوطني. ويشدّد التقرير على أن مجرد الالتزام بالعناية الواجبة لم يعد كافيًا، فبمجرد ثبوت مساهمة الشركات في هذه الجرائم، يُوجب عليها فك أي ارتباط فوري وتحمل المسؤولية الكاملة.

في الختام، يوجه التقرير نداءً عاجلاً إلى الدول، والشركات، والمؤسسات الدولية لاتخاذ إجراءات حاسمة وفورية. وتوصي المقرّرة الخاصة بفرض حظر شامل على الأسلحة، وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على الكيانات المتواطئة، بالإضافة إلى اعتماد قواعد دولية ملزمة تُنظم العلاقة بين الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. كما تدعو إلى السعي الجاد للمساءلة الجنائية للمديرين التنفيذيين والمؤسسات التي تشارك في ارتكاب هذه الجرائم الفظيعة، و تُشكل نتائج التقرير تذكيرًا صارمًا بأن الاحتلال ليس مجرد أزمة سياسية، بل هو نظام اقتصادي يستند إلى تحويل العنف والنهب إلى أرباح هائلة، وإنهاؤه يتطلب تفكيكًا كاملاً للهياكل التي تُمكّنه من الاستمرار.

التوصيات

يتعيّن على الدول اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية عاجلة وحاسمة لتفكيك الشبكات الاقتصادية التي تدعم الاحتلال وتسهل ارتكاب الجرائم الفظيعة. ويتضمن ذلك فرض حظر صارم على توريد الأسلحة، وفرض عقوبات محددة على الشركات والأفراد الذين يُثبت تورطهم في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي. كما يجب على الدول ضمان تمكين أُطرها القانونية الوطنية من التحقيق والملاحقة القضائية الفعالة ضد جميع الجهات الفاعلة في الشركات، سواء أكانت أشخاصًا طبيعيين أو كيانات قانونية، التي تساهم بشكل متعمد في ارتكاب الجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية.

حوار تفاعلي

البيان الافتتاحي

في 3 تموز/يوليو 2025، قدّمت فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تقريرها الأخير أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة والخمسين. واستعرضت في مداخلتها الأزمة المتفاقمة في غزة، مسلطة الضوء على الدور البنيوي والمحوري للجهات الفاعلة الاقتصادية في تعزيز واستدامة نظام الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي.

افتتحت السيدة ألبانيز كلمتها بإدانة شديدة للخسائر الفادحة الناتجة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وشددت على أن هناك زيادة هائلة في إنتاج الأسلحة والاستثمار في التكنولوجيا العسكرية، بالإضافة إلى الاستخدام المكثف لغزة كميدان تجارب لاختبار أنظمة أسلحة جديدة.

أكدت أن إسرائيل لا تتحرك بمعزل عن الدعم الخارجي، حيث كشف تقريرها عن منظومة اقتصادية ضخمة تُساند الاحتلال، وتمكّنه من تهجير الفلسطينيين وإحلال غيرهم مكانهم، عبر تواطؤ الشركات العابرة للحدود. وحدد التقرير البنوك، ومنصات السياحة، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات الأكاديمية كجهات فاعلة تموّل، وتُمكّن، وتُطبّع نظام الفصل العنصري في الأرض الفلسطينية المحتلة. ووصفت السيدة ألبانيز هذا النظام بـ"اقتصاد الاحتلال"، والذي، في السياق الفلسطيني، يمثّل انتهاكات منهجية فاضحة للقانون الدولي، تُمارس جهارًا أمام أنظار العالم، وبدعم مباشر أو بصمت ينطوي على تواطؤ من المجتمع الدولي.

في ملاحظاتها الختامية، دعت السيدة ألبانيز الدول إلى اتخاذ تدابير ملموسة، بما في ذلك فرض حظر على الأسلحة وعقوبات محددة الهدف، لتفكيك هياكل الربح التي تغذي الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. وأكدت أن المساءلة ليست مسألة "إذا" بل "متى" بمعنى أن المساءلة القانونية ليست مسألة شكلية أو اختيارية، بل هي استحقاق حتمي، وحثت المجتمع الدولي على التحرك الآن، حيث وصفت الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه "كارثي" و"ينذر بدمار شامل".

بيان الدولة المعنية


رحّب ممثل دولة فلسطين بتقرير المقرّرة الخاصة، مثمنًا شجاعتها في تسمية جميع الأطراف المتورطة في الإبادة الجماعية المستمرة. وأكد أن غزة تشهد يوميًا فظائع مروّعة، مسلطًا الضوء على دور الشركات التي تراكم الأرباح من وسط الدمار والمعاناة. وطالب بمحاسبة هذه الشركات، وإدراجها في قاعدة بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وإخضاعها للمساءلة والعقوبات القانونية. وفي ختام كلمته، ذكّر المجلس بأن الصمت هو شكل من أشكال التواطؤ، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد يقبل بمزيد من الشركاء الصامتين في جريمة تدميره.

بيان الدول والمجموعات الأخرى

 

المجموعة الأفريقية:

أعرب مندوب غانا، متحدثًا باسم مجموعة الدول الأفريقية، عن بالغ القلق إزاء الانتهاكات الجسيمة والمتواصلة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني. وأدان بشدة سياسات إسرائيل الاستيطانية، وأعمال العقاب الجماعي، والتشريد القسري للسكان المدنيين، مطالبًا إسرائيل بالامتثال الفوري للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية. وجدد التأكيد على موقف المجموعة الأفريقية الداعي إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وتمسكها الراسخ بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود ما قبل عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وفي ختام مداخلته، استنكر الهجمات التي تتعرض لها المقرّرة الخاصة، ودعا إلى ضمان الحماية الكاملة لولايتها.

المجموعة العربية:

تحدث مندوب البحرين، باسم مجموعة الدول العربية، فشكر المقرّرة الخاصة على تقريرها الذي يكشف شبكة معقدة من التواطؤ ودور الشركات متعددة الجنسيات في تعزيز النظام الاستعماري الذي تفرضه إسرائيل. وأعربت المجموعة عن قلقها البالغ إزاء تصدير تقنيات المراقبة التي تُختبر على الفلسطينيين. ثم أدان الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في غزة، باعتبارها أسلوبًا منهجيًا لتدمير جميع مقومات الحياة هناك. وفي الختام، استنكر الهجمات غير المبررة على المقرّرة الخاصة، ودعا إلى الاحترام الكامل لقرارات محكمة العدل الدولية.

مجلس التعاون الحليجي:

أعرب مندوب الكويت، متحدثًا باسم مجلس التعاون الخليجي، عن قلقه إزاء مضمون التقرير، وأكد مجددًا على ضرورة احترام القانون الدولي. ثم شدد على أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير. وأدان المجلس العدوان الإسرائيلي ومحاولاته تغيير التركيبة الديموغرافية لفلسطين، داعيًا في الوقت نفسه إلى السماح الفوري بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

المجموعة الأوربية:

أكدت مندوبة الاتحاد الأوروبي على تعاون الاتحاد مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التزامه بالقانون الدولي. وأعربت عن التزام الاتحاد الأوروبي برفض تطبيق اتفاقية الاتحاد الأوروبي-إسرائيل على الأراضي المحتلة، مع الإشارة إلى معارضته لفرض المقاطعة على إسرائيل. ودعت إلى المساءلة القانونية، والوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن. كما شددت على ضرورة الإزالة الكاملة والفورية لجميع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، وأدانت تصاعد العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وفي الختام، طالبت جميع الأطراف بالتعاون الكامل مع آليات مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة وضمان احترام ولاياتها.

مجموعة حركة عدم الإنحياز:

أعربت مندوبة أوغندا، متحدثة باسم حركة عدم الانحياز، عن تقديرها لتقرير المقرّرة الخاصة. وأدانت بأشد العبارات أعمال العدوان والعقاب الجماعي التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. كما أشارت بقلق بالغ إلى تورط الشركات في انتهاك القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، وفقًا لما ورد في التقرير. وفي الختام، طالبت بضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وحل ما يسمى بـمؤسسة غزة الإنسانية.

أعرب مندوب الأردن عن دعمه القوي للتقرير، مؤكدًا أن الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي من خلال التجارة والأعمال والصناعة. وأكد مجددًا على المسؤولية القانونية والأخلاقية للمجلس في اتخاذ تدابير ملموسة. ودعا إلى سلام عادل وشامل، مشددًا على حق الشعب الفلسطيني في الحماية والعدالة والحرية وتقرير المصير ضمن حدود ما قبل عام 1967.

واكدّ مندوب البرازيل على أن الاحتلال الإسرائيلي يُدعم اقتصاديًا من خلال أنشطة الشركات الخاصة، مما يقوض حقوق الإنسان والتنمية للفلسطينيين. وأدان التدمير العشوائي في غزة، والقيود المفروضة على المساعدات، وتوسيع المستوطنات، وكلها انتهاكات صارخة للقانون الدولي.

وصف ممثل أيرلندا الوضع في غزة بأنه كارثي، وأدان الحوادث القاتلة بالقرب من نقاط توزيع المساعدات وعدم القدرة على الوصول إلى المساعدات الإنسانية. وسلط الضوء على تصاعد عنف المستوطنين وبناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. كما أكد مجددًا على أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية وتقوض حل الدولتين. وفي الختام، أشار إلى أن أيرلندا تمضي قدمًا في سن تشريع لحظر الواردات من المستوطنات الإسرائيلية.

لفت مندوب المكسيك الانتباه إلى تجارة الأسلحة غير القانونية والاستخدام المفرط للقوة. وانتقد استغلال الشركات للموارد الطبيعية الفلسطينية، وحث الشركات على الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وأعرب عن قلقه البالغ إزاء التهديدات الموجهة ضد السيدة ألبانيز، وأكد مجددًا على أهمية احترام استقلالية الإجراءات الخاصة.  

أشاد ممثل كولومبيا بالسيدة ألبانيز لما أظهرته من نزاهة وتفانٍ في توثيق الإبادة الجماعية الجارية في غزة، مؤكدًا مصداقية استنتاجاتها بشأن اقتصاد الحرب ودور الشركات في دعمه واستمراره. وجدد التأكيد على التزام كولومبيا الثابت بإنهاء الإبادة الجماعية، ودعم جميع المساعي الرامية إلى ضمان المساءلة الدولية.

أكد مندوب جنوب أفريقيا أن هذا التواطؤ يسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، مطالبًا الشركات بوقف جميع أنشطتها المرتبطة بالاحتلال على الفور. وحذّر من أن التطورات القضائية الراهنة تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الانخراط يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وفي ختام كلمته، دعا إلى إحياء مستوى التضامن الدولي ذاته الذي وحّد العالم ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لتعبئته اليوم دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية.

حثّت مندوبة تشيلي الدول على اتخاذ إجراءات حازمة لوقف استفادة الشركات من العنف ، مؤكدة ضرورة التطبيق الصارم لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وشددت على الحاجة الملحّة لإنشاء آليات مساءلة فعّالة وصك دولي ملزم قانونًا لتنظيم أنشطة الشركات في مناطق النزاع. واختتمت بدعوة واضحة لتحقيق العدالة وجبر الضرر الكامل للضحايا الفلسطينيين.

سلّط مندوب بلجيكا الضوء على الأهمية القصوى لامتثال الشركات لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وحثّها بحزم على وقف جميع الأنشطة التجارية التي تسهم في الانتهاكات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشار إلى الرأي الاستشاري الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية، معلنًا أن بلجيكا، إلى جانب عشر دول أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي، طالبت المفوضية الأوروبية بإجراء تقييم قانوني دقيق للآثار المترتبة على الدول والمنظمات الخارجية غير الأعضاء في الاتحاد. ودعا إلى اتخاذ خطوات حاسمة وملموسة لضمان التزام الاتحاد الأوروبي الكامل وتطبيقه لرأي محكمة العدل الدولية.

موقف المنظمات غير الحكومية

ومع ذلك، أكدت العديد من المنظمات غير الحكومية على الحاجة الملحة للمساءلة بشأن تواطؤ الشركات في استمرار الاحتلال المطول والكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة. ودعت الدول إلى الشروع في تحقيقات جنائية ضد الكيانات المسماة، وفرض حظر فوري على توريد الأسلحة، وتعليق جميع العلاقات التجارية والمالية التي تغذي الاحتلال، وضمان إدراج هذه الشركات في قاعدة بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الخاصة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

الملاحظات الختامية

في بيانها الختامي، أعربت المقرّرة الخاصة فرانشيسكا ألبانيز عن عميق امتنانها للدول التي دعمت ولايتها وتقريرها.

شدّدت السيدة ألبانيز على أن مسؤولية الشركات بموجب القانون الدولي لا يمكن معالجتها فقط من خلال العناية الواجبة عندما تكون الانتهاكات منهجية وموثقة توثيقًا جيدًا. وفي سياق فلسطين، أكدت أن الاستجابة الوحيدة ذات المغزى من الشركات هي الانسحاب الكامل والسعي إلى جبر الضرر. وحذرت من أن استمرار التعامل التجاري مع إسرائيل في ظل الظروف الحالية لم يعد فعلًا محايدًا، بل هو تواطؤ صريح.

واختتمت بتصوير الوضع كاختبار عالمي: هل يمكن للأنظمة الاقتصادية أن تستمر دون أن تكون سببًا في تمكين الفظائع؟ مستعرضةً أوجه التشابه بين تواطؤ الشركات في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والنازية في ألمانيا، دعت إلى لحظة حساب حاسمة، حاثةً الدول والشركات على حد سواء على تفكيك الهياكل التي تمكّن الظلم، بإرادة شجاعة تتجاوز مجرد الغضب.

موقف مركز جنيف الدولي للعدالة

يُعرب مركز جنيف الدولي للعدالة عن دعمه الكامل لعمل المقرّرة الخاصة، فرانشيسكا ألبانيز، ويشيد بشجاعتها الاستثنائية في تسمية جميع الأطراف المتورطة في الإبادة الجماعية المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يأتي تقريرها  كتحذير حاسم من تآكل القانون الدولي والدور الهيكلي الذي تلعبه المصالح الاقتصادية في إدامة نظام الفصل العنصري والعنف الممنهج.

بعد أكثر من عام على هذه المرحلة من النزاع، يحث مركز جنيف الدولي للعدالة الدول على تجاوز الخطابات الجوفاء واتخاذ إجراءات فورية. إن الإفلات المستمر من العقاب يكلف آلاف الأرواح الفلسطينية، كما أودى بحياة الطواقم الطبية والصحفيين والعاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن حقوق الإنسان. يدعو مركز جينف الدولي للعدالة جميع الدول إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية، واعتماد تدابير ملموسة لوقف الإبادة الجماعية، وضمان محاسبة جميع المسؤولين عنها.

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة