أرسل مركز جنيف الدولي للعدالة نداء عاجلا إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السيد زيد بن رعد الحسين، وإلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري يومي 11 و12 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، بشأن اختفاء 643 شخص من الصقلاوية (التابعة لمحافظة الأنبار، العراق)، في الفترة ما بين 02 الى 05 يونيو عام 2016. وحدث ذلك في أعقاب حملة "التحرير" التي شنتها القوات العراقية على مدينة الفلوجة في مايو 2016 تحت ذريعة استعادة السيطرة على المدينة من داعش.

وقد ذكٌر المركز المفوض السامي والفريق العامل بهذه القضية في عدة مناسبات من قبل، لا سيما من خلال الرسائل المرسلة في 8 و29 يونيو، 5 و9 أغسطس 2016. كما صدر أيضا تقريرا مفصلا بعنوان الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة، وذلك ابان العملية العسكرية على المدينة من أجل توثيق وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على أيدي قوات الامن العراقية والميليشيات التابعة لها ضد المدنيين، والتي تم إرسالها إلى كل من المفوض السامي والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بتاريخ 20 يونيو 2016 مرفقة بقائمة أسماء الأشخاص الذين تم تحديدهم كمفقودين في ذلك الوقت.

ويملك مركز جنيف الدولي للعدالة الان قائمة محدثة بأسماء كل من 643 شخصا من الذين اختفوا قسرا في هذه الظروف المؤسفة، ويعتبر ان ارسال هذه القائمة الى المفوضية السامية لحقوق الانسان يعد اولوية ملحة، على امل أن تتخد اجراءات فورية وعاجلة للتحقيق في حالات الاختفاء القسري بناحية الصقلاوية.

سياق الموضوع

ثبت وكما كان متوقعا ان العملية العسكرية التي شنتها قوات الأمن العراقية، ضد الفلوجة يوم 22 مايو 2016 مدعومة من قبل مئات الميليشيات – والتي يتم تدريبها وتسليحها من قبل إيران- وكذلك بدعم من غطاء جوي بقيادة الولايات المتحدة، قد استخدمت كذريعة أخرى لممارسة العنف الطائفي في العراق. خاصة ما ارتكب على أيدي وحدات الميليشيا التي شاركت في النزاع، والمنضوية تحت لواء ما يعرف بالحشد الشعبي، حيث تم الإبلاغ عن نطاق واسع من الجرائم المختلفة ضد أولئك الذين تمكنوا من الفرار من المدينة في وقت سابق من هذا العام.

ويود مركز جنيف الدولي للعدالة بان يذكر بأن هذه الميليشيات (الحشد الشعبي) هي عبارة عن هيئة عسكرية مستقلة خاضعة لسيطرة القوات العسكرية العراقية، وتتصل مباشرة برئيس مجلس الوزراء، وفقا للأمر رقم 91 الصادر في 24 فبراير 2016 وهذا يعني أنه الى جانب إضفاء الشرعية على هذه المجموعات، فان المرسوم يعزز أيضا رسميا ارتباطها مع الحكومة، ولذلك ينبغي أن تمتثل في نهاية المطاف لاوامرها.

اعتبارا من2 الى 5 يونيو 2016، وأثناء القتال في الصقلاوية، وهي مدينة صغيرة على بعد 20 كيلومترا من غرب مدينة الفلوجة ، فر أكثر من 1000 مدني من الصراع الدائر انذاك، ولجؤوا الى طلب المساعدة من ميليشيات الحشد لشعبي، الذي يفترض ان يتمثل دوره وفقا لمزاعم الحكومة في ضمان الأمن في البلاد. لكن، وبدلا من أن يتلقوا الدعم والمساعدة التي كانوا يبحثون عنها، تعرض الناجين للاعتقال التعسفي بعد ان ألصقت بهم تهمة الانتماء الى تنظيم داعش. وأثناء فترة سجنهم، تعرض الضحايا لأبشع ممارسات التعذيب، بما في ذلك الطعن بالسكاكين وغيرها من الأسلحة، والضرب، فضلا عن الاعتداء النفسي اللفظي بعبارات طائفية. وقد أعدم مئات المعتقلين أو توفوا نتيجة ممارسات التعذيب الشديد، في حين اختفى آخرون، وعددهم بالتحديد 643 مفقود.

وقد تم في الواقع تأكيد هذه الحقائق من قبل المفوض السامي لحقوق الإنسان في بيان له يوم 5 يوليو 2016 وأيضا من قبل السيد يان كوبيس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، في مؤتمر صحفي على هامش دورة مجلس الأمن الدولي المنعقدة بتاريخ 15 يوليو 2016. والى يومنا هذا لم يتم إبلاغ أسرهم عن مكان وجودهم أو حتى سبب اعتقالهم، وتركت مئات الزوجات والأمهات وغيرهم من الأقارب في حالة من اليأس المطلق. حيث يتلقى مركز جنيف الدولي للعدالة يوميا مكالمات هاتفية من أفراد عائلات المفقودين يطالبون بالحقيقة والعدالة لذويهم.

الاختفاء القسري كأداة ترهيب

قائمة المفقودين في الصقلاوية الواردة في تقريرنا تكشف عن نمط معين من ضحايا الاختطاف من طرف الميليشيات: الا وهو الضحايا المنتمون لنفس الأسرة. وهذا أكبر دليل على اختفائهم قسريا، بحيث أن هناك إرادة مبيته لاستهداف الأفراد على أساس طائفتهم أو أصولهم العرقية. انهم في الواقع يستهدفون المكون السني في المجتمع.

فمن المهم أن نفهم حقا هو أن ممارسة الاختفاء القسري على يد الميليشيات الموالية للحكومة، لا سيما تلكم المنتمية إلى الحشد الشعبي، ليست حالات فردّية معزولة ناجمة عن سوء تصرف عدد قليل من الأفراد (كما تدعي السلطات العراقية)، ولكن تشكل استراتيجية منسقة من قبل الحكومة تهدف الى تغيير ديموغرافي للعراق. ان الاختفاء القسري أصبح في الوقت الحاضر أداة للترهيب في العراق تستعمل على نطاق واسع، وما حدث في الصقلاوية ليس أول أو آخر مثال عن ذلك.

ولعل ما يثير القلق هو الغياب الكلي لمنظومة العدالة في العراق. بحيث أن الاختلال في جهاز الحكم ساهم في اضعاف وترهل النظام القضائي، وفي ظل غياب سلطة قضائية فعالة، فقد سجل نقص هائل في المساءلة لصالح ضحايا الانتهاكات والسماح بالتالي لانتشار سياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الجناة بلا خجل.

ان مركز جنيف الدولي للعدالة يظل على اتصال مباشر مع بعض أقارب الضحايا الذين أكدوا بأنهم خائفون من الإبلاغ عن حالات الاختفاء إلى قوات الأمن وطلب معلومات عن مكان وجود ذويهم خوفا من الانتقام. وأفاد بعض منهم أنهم قد تعرضوا للتهديد من حرمانهم من الايواء في مخيمات اللاجئين والنازحين داخليا إذا تحدثوا. وفي نفس الوقت، فان أي طريقة أخرى من طرق الاحتجاج السلمي ضد هذه السياسات البغيضة سيتم الرد عليها بالعنف، كما حدث في قضايا سابقة، أو أنها ستقابل باللامبالاة السافرة من قبل الحكومة. وبعبارة أخرى، فانه يتم ترك هذه العائلات في حالة من اليأس والإحباط. ولهذه الأسباب، دعا المركز المفوضية لمساعدة أولئك الذين لا يتلقون أي مساعدة هناك.

ما الذي يمكن فعله؟

جريمة الاختفاء القسري هو واحدة من احقر الجرائم. وهي خرق للقانون الدولي وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وبتعبير اخر، أبشع الجرائم التي يمكن أن تقترفها البشرية.

ولهذا فان مركز جنيف الدولي للعدالة قد دعا المفوض السامي والفريق العامل عن حالات الاختفاء القسري على وجه الخصوص، لرعاية هذه المسألة على وجه السرعة قبل فوات الأوان. حيث نخشى في الواقع أن يكون هؤلاء المفقودين قد عانوا من نفس المصير الذي لقيه آلاف الأشخاص الذين وقعوا في أيدي ميليشيات الحشد الشعبي خلال حملات التحرير السابقة (ديالى والرمادي وتكريت والدور وأمرلي، الخ ...)، من التعذيب والقتل والذبح.

وتكمن واحدة من مسؤوليات ولاية الفريق العامل في مطالبة الحكومات بإجراء التحقيقات وإبلاغ الفريق العامل بنتائجها. كما يمكن الضغط عليها أيضا من قبل المفوض السامي في بعض الاجراءات. وفي هذا السياق، حثت المركز كل منهما على عدم الاعتماد على الحكومة العراقية في هذا المسار المهم، لأنه من المؤكد أن السلطات العراقية ليس لديها نية لتقديم الجناة إلى العدالة، وبدلا من ذلك فهي متواطئة وهذا ما لا يمكن إنكاره. ان تواطؤ الحكومة في مثل هذه الجرائم لا غبار عليه ومع ذلك فان السلطات ترفض الاعتراف باختفاء المئات من الأشخاص.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن لجنة التحقيق التي تم انشاءها من قبل رئيس الوزراء في يونيو 2016 للتحقيق في مزاعم الجرائم المرتكبة من قبل الميليشيات، هي في الواقع برئاسة رئيس الحشد الشعبي نفسه، السيد فالح الفياض، وكما كان متوقعا، فان التحقيق لم يفض إلى أي نتيجة على الإطلاق. ولهذه الأسباب المذكورة أعلاه، فان مركز جنيف الدولي للعدالة طالب مرارا المفوض السامي لحث مجلس حقوق الإنسان على إيفاد لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في جميع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الميليشيات ودعا الفريق العامل التدخل في التحقيق فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري.

فالى جانب نداءاته العاجلة، يسعى المركز جاهداً للحصول على المعلومات عن مكان تواجد   الــ 643 شخصا الذين اختطفتهم ميليشيات الحشد الشعبي في الصقلاوية. ونامل ان تبعث هذه المساعي القليل من الأمل في نفوس أسر الضحايا ويطمئنهم بانه لا يمكن السكوت عن مثل هذه الجرائم، وأن العدالة هي بصيص من الامل في بحر من اليأس.

قائمة بأسماء المفقودين من اهالي ناحية الصقلاوية / الفلوجة على يد الميليشيات الحكومية بين 2 و 5 يونيو 2016

الرابط للمقال باللغة الانكليزية

Where are they? Saqlawiya, Iraq: urgent appeal for the 643 persons still disappeared


مواقف و تصريحات مركز جنيف الدولي للعدالة حول حالة حقوق الانسان في العراق

مركز جنيف الدولي للعدالة يحذّر من كارثة إنسانية جديدة في العراق - تشرين الأول / اكتوبر 2016

العراق: تنفيذ 36 حكماً بالإعدام دفعة واحدة بتاريخ 21 أغسطس 2016

انخراط الميليشيات مع قوات الجيش النظامي في العراق: الطريق إلى الفوضى - اب / اغسطس 2016

العراق: تعديلات على نظام القانون الجنائي و التصديق على أحكام الإعدام تحت تهديد الميليشيات - اب / اغسطس 2016

الفلوجة: من داخل مذبحة الإبادة - تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة - مايس/مايو 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة: جرائم التطهير العرقي و الطائفي في ديالى - كانون الثاني / يناير 2016

مركز جنيف الدولي للعدالة في نداء عاجل جدا الى الأمين العام للأمم المتحدّة والمفوض السامي لحقوق الإنسان: التخطيط لأعمال ابادة جماعية في محافظة الانبار - كانون الثاني / يناير 2016

العراق: معارك الانبار، سياسة الأرض المحروقة والابادة الجماعيّة - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: في اليوم العالمي لحقوق الانسان، اين هي هذه الحقوق ؟ - ديسمبر / كانون 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة: التظاهرات العراقية ممارسة لحرّية التعبير ام دفاعٌ عن الحقّ في الحياة؟ - آب / أغسطس 2015

مركز جنيف الدولي للعدالة يتهم وزارة حقوق الإنسان في العراق بأنها تبذل جهدا كبيرا للتغطية على الجرائم التي تستهدف طائفة يعينها وتصنيفها ضمن خطط الحرب على الإرهاب - تموز / يوليو 2015

داعش ليس كل مشاكل العراق - أيار / مايو 2015

تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة عن حالة حقوق الانسان في العراق - تشرين الثاني / نوفمبر 2014

معضلة العراق الكبرى : تقرير صحفي صادر عن مركز جنيف الدولي للعدالة بخصوص الوضع في العراق - آب / أغسطس 2014

مركز جنيف الدولي للعدالة : المطلوب في العراق حلّ جذري لا عملية تجميلية - تموز / يوليو 2014

متى سيتعلّم هذا العالم؟ على المجتمع الدولي احترام إرادة الشعب العراقي - حزيران / يونيو 2014

بيان صحفي بمناسبة مرور 65 عاما على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : قليل من التقدم و الكثير من الاخفاقات - ديسمبر / كانون 2013

حملة "ثأر الشهداء": السلطات العراقية ترتكب جرائم ضد الانسانية - أيلول / سبتمبر 2013

مـؤتمر المساءلة لتحقيق العدالة للعراق: عشر سنوات على الغزو والاحتلال : لم يعد الصمت ممكناً - آذار / مارس 2013

مركز جنيف الدولي للعدالة: العراق لم ينفذ توصيات الأمم المتحدّة لتحسين حالة حقوق الإنسان فيه وهو ليس في وضع يؤهله لتحقيق أي من الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدّة - شباط / فبراير 2013

السجون العراقية: تقرير من داخل أروقة الموت - كانون / ديسمبر 2012

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة

اكتب لنا شكواك