العراق: الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب وسوء المعاملة

هانز فون سبونك: نحن نناشد أولاً وأخيرا الضمير العالمي والحكومات والمجتمع المدني، للالتزام بواجبهم القانوني في عدم السماح لحالة الإفلات من العقاب ان تطول اكثر

شارك مركز جنيف الدولي للعداله GICJ في مراجعة مدى التزام السلطات العراقية بالتزاماتها المقرّرة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة، (CAT)، التي أجرتها لجنة الأمم المتحدّة لمناهضة التعذيب ضمن اجتماعات دورتها الخامسة والخمسون التي تعقد اجتماعاتها في جنيف في الفترة من 27 يوليو/تموز – ولغاية 14 أغسطس/آب 2015. وفي هذه الأجتماعات قدم مركز جنيف الدولي للعدالة  تقريره الموازي لتقرير الحكومة العراقية (تقرير الظل) إلى لجنة مناهضة التعذيب في العراق معرباً عن القلق الشديد إزاء استخدام  التعذيب من قبل مختلف الأطراف الحكومية الفاعلة على نطاق واسع ومستمر في البلاد.

وقد فشل الوفد العراقي في تقديم تقرير مقنع للخبراء، كما فشل في الإجابة على الأسئلة الأساسية التي وجهتها اللجنة.

واكد المركز انه قد جمع أدلة كثيرة عن الاستخدام الواسع للتعذيب في العراق، وانه قد عرض الأمر مراراً ضمن اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومنها فان المركز يرى بان استعراض ممارسة التعذيب في العراق من قبل لجنة مناهضة التعذيب هو امر يستحق الثناء، ويأمل أن تتمكن اللجنة من تنفيذ جميع ما في وسعها من الإجراءات من اجل وضع حدٍّ لاستخدام التعذيب في العراق.

هانز فون سبونيك: لم نعد تقبل استمرار سياسة الإفلات من العقاب

وفي هذا السياق قال الدكتور هانز فون سبونيك، المساعد السابق للأمين  للأمم المتحدة الأمين، ورئيس مركز جنيف الدولي للعدالة، أن الوضع الحالي في العراق، حيث ان الجهات الحكومية وغيرها تقوم بعمليات التعذيب مع الإفلات من العقاب، يمثل استمرارية لأعمال مماثلة ارتكبتها القوات الأمريكية بعد غزو العراق عام 2003. وناشد السيد فون سبونيك الضمير العالمي والحس الأخلاقي للحكومات والمجتمع المدني، ان يعلنوا جميعاً بصوت واحد: "نحن لم نعد تقبل استمرار سياسة الإفلات من العقاب".

وناشد السيد فون سبونيك الضمير العالمي والحس الأخلاقي للحكومات والمجتمع المدني، ان يعلنوا جميعاً بصوت واحد: "نحن لم نعد تقبل استمرار سياسة الإفلات من العقاب".

ويوضح تقرير مركز جنيف الدولي كيف أن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب واتفاقيات جنيف قد اُنتهكت في العراق لسنوات عديدة من قبل سلطات الاحتلال والحكومات التي تعاقبت اثناءه وبعده في العراق. وفي هذا السياق، يؤكد المركز أن وقوع مثل هذه الممارسات من أعمال التعذيب قد تم الاعتراف به وبطريقة مفصلة في التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي عن التعذيب في ديسمبر 2014. وشدّد السيد فون سبونيك أن العالم لا يمكن أن ينسى صورة الرجل المقنّع الذي كان يتلقي صدمة كهربائية كبيرة وهو في سجن أبو غريب.  مضيفاً لقد "قابلت ضحية التعذيب هذا في كوالالمبور في عام 2012، وأنا أعرف قصته الشخصية وكيف انه تعرّض للتعذيب. وقد اكدّ أيضا أن هذا التعذيب لم يكن الفعل المهين الذي ارتكبه جندياً واحداً، بل ان هذه الممارسات الممنهجة قد جاءت بعد ان تمتّ الموافقة عليها من أعلى المستويات، والآن يجب علينا جميعا أن نحاسب كل المسؤولين عنها ونقدّمهم الى العدالة"

التقرير الحكومي محاولات لتضليل الرأي العام

ويظهر التقرير الرسمي المقدّم من قبل الحكومة العراقية الى لجنة الأمم المتحدة عجزاً واضحاً في كيفية النظر إلى الممارسات الجارية على الأرض. فالتقرير يشرح كيف ان القانون العراقي والدستور يتضمنان بنوداَ ضد التعذيب ولكنه لا يعالج حقيقة أن ممارسات السلطات وخاصة النظام القضائي العراقي لا تتوافق مع كل من القانون المحلي والقانون الدولي. ويعتقد  مركز جنيف الدولي أن ما هو أساسي ليس فقط وجود القوانين التي تحظر التعذيب، لكن أن تتخذ التدابير المناسبة لضمان عدم ممارسته ومحاسبة كل من ارتكب هذه الجرائم. واوضح كيف ان السلطات قد فشلت تماماً في اتخاذ الاجراءات اللازمة طبقاً لالتزاماتها التعاقدية الدولية وخاصة تلك المحدّدة في اتفاقية الأمم المتحدّة لمناهضة التعذيب التي هي موضوع النقاش في هذه الاجتماعات.

كما يتذرع تقرير وفد السلطة بالاوضاع الناجمة عن سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على بعض المحافظات في حين ان اللجنة والمجتمع المدني يدركان ان هذه الذريعة لم تعد بالامكان تنطلي على المطلعين على الاوضاع والممارسات التي تتم في مختلف مناطق العراق وكذلك ممارسات التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسمية التي تحدث باستمرار منذ عام 2003 دون اي رغبة حكومية بالحدّ منها ومحاسبة مرتكبيها.

وقدم المركز امثلة من الحالات الكثيرة التي وثّقها عن التعذيب في العراق والتي تؤكد وقوع هذه الممارسة على نطاق واسع، ووجود رضا ومباركة حكومية لها، واشتراك معظم الجهات الحكومية سواء قوات الأمن، المخابرات، الشرطة، الجيش بها فضلاً عن ابشع الجرائم التي ترتكبها ميليشيات ما يسمّى بــ (الحشد الشعبي) الذي تكون من جمع عدّة ميليشيات ارهابية لا تلتزم بأية قواعد قانونية او اخلاقية.

وفنّد المركز بالأدلة القاطعة ادعاءات المسؤولين الحكوميين التي تحاول خداع الرأي العام الدولي بالقول ان الممارسات الإجرامية، والتعذيب منها بوجه خاص، يقوم بها افراد مندسون في القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي. وتؤكدّ الأدلة ان هذه الممارسات ترتكبها قوات منظمة وبمشاركة واسعة من قبل افرادها وقياداتها، ونفس الأمر ينطبق على افعال الميليشيات التي ترتكب بطرقة مماثلة بمشاركة كبيرة وبإطمئنان تام بعدم وجود مسائلة حكومية عن تلك الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها القانون العراقي والقانون الدولي وتصنف ضمن جرائم الحرب في ميثاق المحكمة الجنائية الدوليّة.

لجنة دولية مستقلة للتحقيق

ويعتقد مركز جنيف الدولي أن استمرار مشكلة التعذيب والأفعال ذات الصلة مثل الاعتقالات غير القانونية والمحاكمات الجائرة والإعدام بإجراءات موجزة، يتطلب تضافر الجهود الدولية  لغرض التخلص منها مرّة واحدة باجراءات دولية فعّالة. التعذيب هو مسألة ذات أهمية كبيرة نظرا لقدرته على اختراق والامتداد إلى جميع الجوانب الأخرى من الحياة. ويعتقد مركز جنيف أن عمليات التعذيب في العراق وجذورها  يجب أن تدرس بالتفصيل. فمن خلال ذلك يمكن وضعه في سياقه الصحيح، ويتوجب تبعاً لذلك، أن يضع المجتمع الدولي وينفذ استراتيجية تتضمن ضغوطاً على الحكومة العراقية والأطراف الأخرى من اجل وضع حدٍّ لاستخدام التعذيب مرة واحدة وإلى الأبد.

وهنا بين المركز كيف أن النظام القضائي في العراق يعتمد، ويقبل في المحاكمات، اعترافاتٍ تنتزع عنوة تحت التعذيب. واشار هنا الى الحالات الكثيرة التي تتخذ فيها المحاكم العراقية احكاماً بالاعدام تُبنى بدرجة اساسيّة على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، او تحت بلاغات المخبر السرّي التي تكون في معظمها ملفقة لأغراض كيدية او طائفية. ويرى المركز ان نظاماً كهذا لا يمكن الركون اليه في محاولات تحقيق العدالة وانصاف الضحايا بل يجب ان تتولى ذلك جهة دولية محايدة ومشهود لها بالكفاءة.

ويوضح تقرير المركز الحالات الكثيرة من الوفيات التي تتم في السجون والمعتقلات العراقية اثر التعذيب المفضي الى الموت، او ما تقوم به الميليشيات من تعذيب مباشر للمعتقلين واحياناً حرق وتقطيع اجسادهم في ابشع صور الجرائم واكثرها توحشاً. واكدّ المركز تسلّمه لنداءات ووثائق من عدد من المحامين العراقيين عن اسلوب أخر من التعذيب الذي يؤدي الى وفاة السجين او المعتقل اذ يجري في احيان عدّة استخدام السموم على جرعات للتخلص من عدد المعتقلين. وفي احيان اخرى تعطى هذه الجرعات لمعتقلين يتم اطلاق سراحهم لكنهم يفارقون الحياة بعد فترة وجيزة جرّاء ذلك. وقدّم المركز الى اللجنة نماذج لحالات من هذا القبيل تؤكد وجود هذا النهج الخطير.

وهنا شدّد المركز مرّة اخرى على اهمية انشاء جهة دولية محايدة تتولى التحقيق في كل هذه الأفعال المشينة.

ومن جانبه، اختتم السيد فون سبونيك تعليقه بالقول أن الجهود يجب أن تستمر لإيجاد محكمة أو هيئة، تكون على استعداد لسماع ضحايا التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة للحالات الكثيرة التي وقعت في العراق وأماكن أخرى لتحقيق العدالة، وتعويض الضحايا فضلاً عن الحاجة الماسة لإعادة تأهيل القانون الدولي.

ويشير تقرير الظل المقدم من مركز جنيف الدولي للعدالة انه قد جرى اعداده بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني ومنها: اللجنة العراقية لحقوق الإنسان، جمعية المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق، قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، والإتحاد العام لنساء العراق، ومنظمة الدبلوماسيين العراقيين، وجمعية المثقفين والأكاديميين العراقيين، المركز العراقي لحقوق الإنسان، منظمة الديمقراطية والعدالة في العراق  و جمعية المحامين العرب في المملكة المتحدة.

التقرير المقدم من قبل مركز جنيف الدولي للعدالة باللغة الانكليزية

البيان الصحفي باللغة الانكليزية

البيان الصحفي باللغة الفرنسية

البيان الصحفي باللغة الاسبانية

    اشترك في القائمة البريدية
    الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة

    اكتب لنا شكواك