في ختام زيارته للعراق: مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو من همّ في السلطة لأن يضعوا مصالح الشعب العراقي وحقوقه الانسانية في المقدّمة
10 آب/أغسطس 2023
أنهى السيد فولكر ترك، مفوض الأمم المتحدّة السامي لحقوق الإنسان، زيارة للعراق إستمرّت أربع أيام (6 الى 9 آب 2023)، إلتقى خلالها المسؤولون الحكوميون وعدداً من ممثلي منظمّات المجتمع المدني في بغداد وأربيل والبصرة. وابدى المفوّض في أكثر من موضع من بيانه الصحفي إعجابه بما أسماه "القدرة المُذهلة للشعب العراقي على الإبداع وتحمّل الصعاب ومواجهة الأزمات".
وخصّ المفوّض السامي الناشطين في مجال البيئة بإهتمام خاصّ مؤكداً أن العراق يمرّ بـ "حالة طوارئ مناخية، وقد حان الوقت لأن يتم التعامل معها على هذا الأساس". وبيّن أنّه لمس على نحو مباشر واقع تغيّر المناخ في في محافظة البصرة، جنوب العراق، والتلوّث المزمن وما ينتج عنه من مشاكل صحية في المجتمع المحلي.
وقال المفوّض السامي ".... أعلن وزير الموارد المائية ان المياه في العراق في أدني مستوياتها على الاطلاق. إن لقضية المياه آثار إقليمية أوسع ويجب على جميع الدول العمل على إدارة هذا المورد الثمين بوصف ذلك مصلحة عامة، حيث إن المياه منفعة عامة عالمية".
كما تناول عمليات التهديد وإستهداف الناشطين بالقول "... إن سلسلة الإجراءات التي اتخذها أشخاص في مناصب رسمية ــ على سبيل المثال، رفع الدعاوى الجنائية بتهمة التشهير ضدّ الصحفيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني- قد أحدثت تأثيراً مخيفاً على حرّية التعبير". وبيّن أنّ المفوّضية تخطّط لإعداد تقرير عن حرّية التعبير في العراق.
واكدّ المفوّض السامي أنّه بحث مع المسؤولين قضايا الإختفاء القسري والأرقام المخيفة لعدد المختفين في العراق، قائلاً "ان مثل هذه الأرقام المذهلة يصعب فهمها. وراء كلّ من هؤلاء الأشخاص أسرة: زوجة وأطفال ووالدين وأحبّاء يستحقون أخذهم في الحسبان، لكن حقوقهم في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والمساءلة تُنتهك". وأشار في هذا الصدد إلى زيارة لجنة الأمم المتحدّة المعنية بحالات الاختفاء القسري للعراق في تشرين الثاني 2022، حاثّاً السلطات على تنفيذ توصياتها. ورحب بإحالة قانون الاختفاء القسري الى مجلس النواب قائلاً "حان الوقت لتشريع قانونٍ يتماشى مع معايير حقوق الانسان الدولية وسيقوم مكتبي بالمتابعة عن كثب لدراسة القانون واقراره ونحن جاهزون لتقديم المشورة والدعم بناءً على خبراتنا في البلدان الأخرى التي تتصارع مع هذه القضية".
كما ذكر أنّه عرض على الحكومة العراقية مساعدة مكتبه من أجل التصدي للتعذيب واتخاذ خطوات وقائية لضمان عدم وجود مكان للتعذيب في مستقبل العراق. وأوضح أن "المفتاح لوقف مثل هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان يتمثل في القضاء على الافلات من العقاب".
وأعاد التذكير بتقارير المفوّضية بخصوص تظاهرات تشرين 2019 في العراق وما تلى ذلك من إنتهاكاتٍ فضيعة، بسبب "استخدام القوة من قبل قوات الامن العراقية والعناصر المسلّحة ضد المتظاهرين". وحثّ السلطات على اتخاذ إجراءاتٍ سريعة وشفافة لوقف الإفلات من العقاب الذي هيمن على احتجاجات تشرين.
كما اكدّ المفوّض السامي، ضرورة "تعزيز المؤسسات القضائية ومؤسسات حقوق الإنسان الوطنية، لكي تتمكن من العمل بصورة مستقلّة وفعّالة...وترحيبه بالجهود الجارية لإصلاح القوانين لجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان".، وأنّه دعى السلطات إلى "إعلان وقف رسمي لاستخدام عقوبة الإعدام في العراق - حيث لا يزال أكثر من 11000 شخص في انتظار تنفيذ حكم الإعدام".
كما أشار إلى قضايا كثيرة أخرى منها، الحصول على الخدمات الأساسية والحاجة لترسيخ تدابير قوّية لمكافحة الفساد وأن يتم تعزيز ثقافة الشفافية المفتوحة ليطّلع عليها الشعب.
وتطرّق إلى العنف ضدّ المرأة وضرورة تمكين النساء لتبوء المزيد من الوظائف وفي مناصب صنع القرار والمزيد من الحماية في القانون والسياسة والمجتمع من التهديدات والترهيب ضدّ النساء.
وحثّ القادة في جميع أنحاء المجتمع على التوقف عن "سياسة الإلهاء، والسماح للخطاب الشعبوي ان يُحدث المزيد من التمزّق في المجتمع الذي عانى من قبل من التشظّي. ولا يجب إطلاق العنان لحملات التظليل وخطاب الكراهية والتحريض على العنف".
وإختتم المفوّض السامي بيانه بإبداء تطلّعه بـ "أن تسود ـ في العراق ـ رؤية مشتركة نحو مستقبلٍ تترسخ فيه حقوق الانسان، ليكون قادراً على التعامل مع الكثير من المشاكل الصعبة والقائمة منذ فترة طويلة". وأضاف "أدعو من هم في مواقع السلطة والنفوذ إلى أن يتخذوا من مصالح الشعب العراقي وحقوقه الانسانية قبل كل شيء نبراساً لهم والتصدّي للفساد والتمييز والافلات من العقاب وتغير المناخ والعقبات الرئيسية المتبقية التي تعترض الاستقرار والسلام الدائمين".
يأمل مركز جنيف الدولي للعدالة أن تُسهم زيارة المفوّض السامي للعراق في دفع أجهزة الأمم المتحدّة لإيلاء المزيد من الاهتمام لحالة حقوق الإنسان المتردّية في البلاد. فلسوء الحظ، أعربت الحكومة العراقية باستمرار عن عدم رغبتها في تنفيذ توصيات الهيئات الدولية بحسن نيّة. وتجدر الإشارة إلى أن التوصيات المكثفة لتعزيز وإصلاح الإجراءات القضائية والإدارية لضمان المساءلة عن حالات الاختفاء القسري الصادرة عن تقرير اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في أبريل 2023 لم تنفذ لحد الآن. وبالمثل، فإن التصدّي للقمع العنيف لإحتجاجات تشرين يتطلب تحقيقًا شاملاً ومستقلاً ومساءلة جميع أفراد الأجهزة العراقية الذين استخدموا القوّة بشكل غير قانوني، بغضّ النظر عن المستوى القيادي للفرد.
من الواضح أن آلاف العائلات في جميع أنحاء العراق التي تسعى إلى تحقيق العدالة فيما يتعلق بعمليات الاختطاف والاعتقال والتعذيب والاختفاء التي ارتكبتها الحكومة والفصائل المسلّحة المدعومة منها. لقد فشلت الحكومة العراقية في احترام وحماية والوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان لفترة طويلة جدًا.
ختاماً، نحن نتطلّع إلى التقرير الرسمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان بعد زيارته وسنستمرّ بالتواصل مع مكتبه لزيادة الوعي بالعديد من انتهاكات حقوق الإنسان المستمرّة في العراق. ما هو واضح، أن العراق لديه الكثير من العمل للقيام به ، وطريق طويل يجب أن يقطعه، ويجب أن يعمل لصالح الشعب العراقي لتقديم نهجٍ حقيقي لحقوق الإنسان في جميع هذه المجالات الحيوية.