تجاهل مجلس حقوق الإنسان للإنتهاكات في العراق.. مُؤسف!

في ظل تغاضي مجلس حقوق الإنسان عن مناقشة الإنتهاكات المرتكبة في العراق اليوم، احتضنت جنيف ندوة حقوقية استمرت يومين تحت شعار "المساءلة اتحقيق العدالة للعراق".

التظاهرة التي شاركت فيها منظمات مدنية، عربية وأوروبية، سلطت الأضواء مجددا على معاناة الشعب العراقي جراء فرض الحظر الأممي الصارم عليه، كما لفتت الإنتباه إلى التجاهل الحالي للإنتهاكات الخطيرة المُـرتكبة في البلاد.

المؤتمر، الذي انعقد يومي 14 و 15 مارس 2013 في المقر الأوروبي للأمم المتحدة على هامش الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان، جمع شخصيات أوروبية وعربية، سبق لها أن تقلدت مهامّ رسمية أممية أثناء فترة تطبيق العقوبات الإقتصادية المفروضة من قِـبل الأمم المتحدة على العراق إضافة إلى نشطاء أوروبيين وعرب.

في الوقت نفسه، حاولت التظاهرة التي نظمت بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق جلب الإنتباه إلى المخاطر التي نجمت عن الحظر الأممي وإلى تبعاته، ثم من بعده الغزو الأمريكي - البريطاني للبلاد في مارس 2003 الذي أدّى إلى إسقاط نظام صدام حسين وإعدامه.

صمت أممي

لماذا تتجاهل المؤسسات المعنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان التي عُرفت بنشاطها وتعقبها الدقيق للإنتهاكات والتجاوزات المرتكبة أثناء فترة حكم صدّام حسين، ما يحدث اليوم في العراق من فظائع بشكل شبه كلي؟ سؤال طرحه المشاركون في التظاهرة بصيغ شتى.

في معرض الإجابة عن هذا التساؤل، يقول ناجي حرج، منسق المنظمات العربية غير الحكومية في جنيف وأحد المنظمين للتظاهرة: "إن ما توصلت إليه 300 منظمة مشاركة في دعم هذا المؤتمر، بعد اجتماعات تحضيرية في لندن وبروكسل وبرشلونة وفيينا، هو أن صمت مجلس حقوق الإنسان وصمت المفوضة السامية وصمت مدير قسم الشرق الأوسط ومدير قسم العراق بالمفوضية على هذه الإنتهاكات، هو موقف منحاز جدا، لأن المسؤول عن هذه الإنتهاكات هو الولايات المتحدة، وللأسف فإن كل هؤلاء لا يقوون على قول ولا كلمة واحدة عندما يكون المنتهِـك قوة عظمى".

من جهته، يرى صباح المختار، رئيس جمعية الحقوقيين العرب في بريطانيا، أن "ما جرى في العراق، مخالف للقوانين والأعراف الدولية. ومع ذلك، فإن العالم ساكت على ما يحدث اليوم. فالأمم المتحدة غسلت يدها وكأنه لا توجد مشاكل حاليا في العراق ومجلس حقوق الإنسان لم يتحدث عن هذا الموضوع ولا يريد أن يتحدث عنه".

ويضيف ناجي حرج "عندما ننظر الى السنوات العشر التي مرت على احتلال العراق، نجد أنها السنوات التي عرفت الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان للشعب العراقي. ومن واجبنا كمنظمات مدنية أن نوثق ذلك وأن نوصله إلى مجلس حقوق الإنسان، خاصة وأننا نلمس صمتا مُـطبَـقا مستمرا من مجلس حقوق الإنسان ومن مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان".

بدوره، استغرب رئيس جمعية الحقوقيين العرب في بريطانيا من أنه لا أحد من مكتب المفوضية أو من مجلس حقوق الإنسان حضر في جلسات هذا المؤتمر، ويقول: "على الأقل كانوا ليحضروا للإستماع الى ما يُقال، بغض النظر عما إذا كانوا يؤيِّـدونه أم لا". ويضيف صباح المختار أنه "حتى لو قرّر العالم نسيان ما تم في الفترة السابقة، هناك ما يحصل الآن والذي لا يجب تناسيه".

جرائم حالية لا يجب تناسيها

جنيف.. محطة أولى
دعمت 300 منظمة حقوقية تنظيم هذا المؤتمر للمطالبة بالمحاسبة والعدالة للعراق.

جرى الإعداد للمؤتمر بعقد جلسات مشاورات في عدة عواصم أوروبية شملت لندن وبرشلونة وستوكهولم وبروكسل وفيينا.

بحكم تجاهل مجلس حقوق الإنسان لملف الإنتهاكات في العراق، تم تنظيم المؤتمر باعتباره نشاطا جانبيا بالتوازي مع سير أشغال الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان الملتئمة في جنيف.

يقول ناجي حرج، أحد المنظمين: "سنستمر بعملية التوثيق وبالمطالبة بمحاكمة كل مرتكبي تلك الانتهاكات، لذلك سينتقل هذا المؤتمر بعد جنيف الى بروكسل ثم فيينا فلندن وستوكهولم، لتوعية قاعدة أوسع من الجمهور".


في الواقع، خصّص المؤتمر حيِّـزا وافرا لتسليط الضوء من جديد على تصرف المجموعة الدولية والقوى العظمى والأمم المتحدة أثناء فترة فرض العقوبات على العراق (من صيف 1990 إلى ربيع 2003)، ثم خلال مرحلة الغزو العسكري ابتداء من مارس 2003 حيث تم التأكيد على الطابع غير الشرعي لما حدث.

من جهة أخرى، شدد عدد من المتدخلين على خطورة الإنتهاكات الحاصلة اليوم التي لم تحظى بما تستحقه من اهتمام ومتابعة على المستوى الدولي. وأشار ناجي حرج إلى أنه "هناك انتهاك يومي للحق في الحياة. فلا أحد يضمن حياته في العراق: الطفل وهو ذاهب للمدرسة أو العامل وهو ذاهب للعمل"، ولم يتردد في توجيه أصابع الإتهام إلى الولايات المتحدة قائلا: "كل هذه الإنتهاكات وُضعت لها مؤسسات تقوم بها من الجانب الأمريكي، وهي مستمِـرة اليوم على شكل ميليشيات سَمح لها الإحتلال الأمريكي أن تتولى الأمن والشرطة والجيش. تضاف إلى ذلك، جحافل المرتزقة الذين أتى بهم الاحتلال الأمريكي والمقدرة بأكثر من 200 الف مرتزق والذين لا تزال توابعهم مستمرة في القتل"، حسب زعمه.

إضافة إلى ذلك "هناك وضع السجون العراقية المكتظة بمئات الآلاف من المعتقلين، الذين يتعرضون للتعذيب يوميا وِفقا للمنهج الذي وضعه الأمريكيون في سجن أبوغريب وغيره، وهي طرق التعذيب التي تقوم السلطات الحالية باستنساخها وتطبيقها بطرق بشعة أكثر من السابق"، على حد قول ناجي حرج.

من جهته، يرى صباح المختار أن "مَـن أوتي بهم لحكم العراق، يتعرضون اليوم لانتفاضة ضدهم شبيهة بما يُسمى بالربيع العربي المنتفض ضد حكامه... ومع ذلك، نجد أن الجامعة العربية تتعامل مع النظام العراقي الحالي كما لو كان نظاما طبيعيا، ونفس الشيء بالنسبة للدول الغربية والإتحاد الأوروبي. اما الأمم المتحدة، فكأن الأمر لا يعنيها، على الرغم من وجود انتهاكات يومية في كافة المجالات ولكافة العراقيين في كافة الأوقات".

ويذهب المختار إلى أن السبب في هذا التجاهل "راجع إلى كون المجتمع الدولي يعلم يقينا الآن أنه أخطأ فيما قام به وأن ما قام به أدى إلى نكبات كبيرة جدا. لذلك، أصبح من المفضل - من الناحية النفسية أو السيكولوجية - أن لا يتحدث الغرب عن هذا الأمر وأن يتم دفنه وتناسيه".     

مطالبة بالمحاسبة والعدالة

على مدى يومين، دارت ست جلسات نقاش استمع خلالها الحاضرون لشهادات شخصيات دولية وعربية عن معاناة الشعب العراقي خلال سنوات الحظر الدولي والعقوبات الإقتصادية، وعما يتعرض له اليوم من "انهيار المؤسسات وتفشي الرشوة المؤسساتية وانهيار البنية الإجتماعية والتدمير المنهجي"، كما تمت المطالبة من طرف عدد من المتدخلين بــ "إعادة فرض قوة القانون".

المساءلة والتعويضات
اعتبر صباح المختار، رئيس منظمة المحامين العرب في بريطانيا، أن الفرصة مناسبة للقيام بهذه الخطوة لجلب انتباه الجمهور لما حدث سابقا في العراق وما يجري اليوم، خصوصا وأن هناك اعترافات بأن ما حصل كان "مُخالفا للقوانين".

يرى المختار أن مؤتمر جنيف "يُمهِّـد الطريق لمعالجة الملف من جانبين: موضوع المساءلة، وهو الذهاب الى المحاكم سواء الوطنية أو الدولية أو أية تحركات على مستويات أخرى. وثانيا، موضوع التعويضات".

مع أن المؤتمر نُظم في شكل حدث جانبي إلا أن أهميته تكمن في "جلب الإنتباه لموضوع الإنتهاكات في العراق أمام حضور مكثف، ولو أننا نأسف لعدم حضور ممثلين عن مجلس حقوق الإنسان وعن مفوضة حقوق الإنسان"، مثلما يقول صباح المختار. 

صباح المختار، رئيس جمعية الحقوقيين العرب في بريطانيا، اعتبر أن انعقاد المؤتمر تحت شعار "المطالبة بالمحاسبة والعدالة من أجل العراق" يمثل برأيه "محاولة لتسليط الضوء على أن ما حدث في العراق كان مخالفا للقوانين والأعراف الدولية وللسلوك الإنساني السليم: حرب واحتلال بُني على أكاذيب وقتل ما يقارب 1.5 مليون شخص وتدمير البنية التحتية لبلد بالكامل".

في سياق متصل، شدد مشاركون على أن ما حدث في العراق "مُخالف لميثاق الأمم المتحدة"، مثلما ورد في شهادة الألماني هانس فون سبونيك، نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي كان مُـكلفا بالتنسيق الإنساني في العراق ما بين عامي 1998 و2000.

ففي الجلسة الإفتتاحية، استعرض المسؤول الأممي السابق تجربته في العراق وذكّـر باستقالته من منصبه احتجاجا على انحراف نظام العقوبات عن مقصده الحقيقي وتحوله إلى عقاب للشعب العراقي، لذلك "استقلتُ من هذا المنصب لكي لا أتحول إلى شريك في الجريمة"، على حد قوله.

محمد شريف - جنيف- swissinfo.ch

مواقف و آراء اخرى لرئيس المركز

د. هانز فون سبونيك: "يجب أن لا يؤدي الحصار الدولي إلى معاقبة الأبرياء"

خيانة شعب ــ وإفلات من العقاب الى الأبد؟ د. هانز فون سبونيك

الى ذلك العراقي المجهول

تشريح العراق: عقوبات التدمير الشامل التي سبقت الغزو

اشترك في القائمة البريدية
الرجاء اضافة البريد الإلكتروني الخاص بكم في الحقل أدناه للحصول على النشرة الإخبارية الخاصة بمركز جنيف الدولي للعدالة

اكتب لنا شكواك